الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: القواعد الفقهية ***
إنْ كَانَ الْحَقُّ مُسْتَقِرًّا فِيهَا بِمُطَالَبَةِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ بِحَقِّهِ أَوْ يَأْخُذُهُ بِحَقِّهِ لَمْ يَنْفُذْ التَّصَرُّفُ وَلَمْ يُوجَدْ سِوَى تَعَلُّقِ الْحَقِّ لِاسْتِيفَائِهِ مِنْهَا صَحَّ التَّصَرُّفُ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَقِيَاسُ قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ لَا يَصِحُّ حَيْثُ قَالَ: لَا يَصِحُّ وَقْفُ الشَّفِيعِ وَلَا رَهْنُ الْجَانِي، وَكَلَامُهُ فِي الشَّافِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّصَرُّفَ فِيمَا وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ لَا يَصِحُّ فِي قَدْرِهَا، وَكَذَلِكَ اخْتَارَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ التَّصَرُّفُ فِي الْجَانِي بِالْبَيْعِ لِتَعَلُّقِ الْحَقِّ بِعَيْنِهِ فَإِنْ فَدَاهُ السَّيِّدُ كَانَ افْتِكَاكًا وَسَقَطَ الْحَقُّ الْمُتَعَلِّقُ بِهِ كَمَا لَوْ وَفَّى دَيْنَ الرَّهْنِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ، وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ أَنْ يَثْبُتَ اسْتِحْقَاقٌ يَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ وَبَيْنَ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَى الثُّبُوتِ مُقْتَضَاهُ بِالْأَخْذِ بِالْحَقِّ أَوْ بِالْمُطَالَبَةِ بِهِ فَالْأَوَّلُ مَلَكَ أَنْ يَتَمَلَّك وَالثَّانِي يَمْلِكُ أَوْ طَالَبَ بِحَقِّهِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ دَفْعُهُ عَنْهُ، وَهُوَ شَبِيهٌ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْمُفْلِسِ قَبْلَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ وَبَعْدَهُ، فَالْفَلَسُ مُقْتَضٍ لِلْحَجْرِ وَالْمَنْعِ مِنْ التَّصَرُّفِ، وَلَا يَثْبُتُ ذَلِكَ إلَّا بِالْمُطَالَبَةِ وَالْحُكْمِ وَيَتَخَرَّجُ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ: مِنْهَا التَّصَرُّفُ فِي الْمَرْهُونِ بِبَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا لَا سِرَايَةَ لَهُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ أَخَذَ بِحَقِّهِ فِي الرَّهْنِ مِنْ التَّوْثِيقِ وَالْحَبْسِ وَقَبَضَهُ وَحُكِمَ لَهُ بِهِ فَهُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الرَّهْنِ كَغُرَمَاءِ الْمُفْلِسِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ، فَأَمَّا الْعِتْقُ فَإِنَّمَا نَفَذَ لِقُوَّتِهِ وَسِرَايَتِهِ كَمَا نَفَذَ حَجُّ الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ بِدُونِ إذْنِ السَّيِّدِ وَالزَّوْجِ حَتَّى أَنَّهُمَا لَا يَمْلِكَانِ تَحْلِيلَهُمَا عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ كَقُوَّةِ الْإِحْرَامِ وَلُزُومِهِ، وَلِهَذَا يَنْعَقِدُ مَعَ فَسَادِهِ وَيَلْزَمُ إتْمَامُهُ. وَمِنْهَا الشَّفِيعُ إذَا طَالَبَ بِالشُّفْعَةِ لَا يَصِحُّ تَصَرُّفُ الْمُشْتَرِي بَعْدَ طَلَبِهِ لِأَنَّ حَقَّهُ تَقَرَّرَ وَثَبَتَ، وَقَبْلَ الْمُطَالَبَةِ إنَّمَا كَانَ لَهُ أَنْ يَتَمَلَّكَ وَالْمُطَالَبَةُ إمَّا تَمَلُّكٌ عَلَى رَأْيِ الْقَاضِي وَإِمَّا مُؤْذِنَةٌ بِالتَّمَلُّكِ وَمَانِعَةٌ لِلْمُشْتَرِي مِنْ التَّصَرُّفِ؛ إذْ تَصَرُّفُ الْمُشْتَرِي إنَّمَا كَانَ نَافِذًا لِتَرْكِ الشَّفِيعِ الِاحْتِجَارَ عَلَيْهِ وَالْأَخْذَ بِحَقِّهِ وَقَدْ زَالَ فَإِنْ نَهَى الشَّفِيعُ الْمُشْتَرِيَ عَنْ التَّصَرُّفِ وَلَمْ يُطَالِبْ بِهَا لَمْ يَصِرْ الْمُشْتَرِي مَمْنُوعًا، بَلْ تَسْقُطُ الشُّفْعَةُ عَلَى قَوْلِنَا هِيَ عَلَى الْفَوْرِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ. وَمِنْهَا إذَا حَلَّ الدَّيْنُ عَلَى الْغَرِيمِ وَأَرَادَ السَّفَرَ فَإِنْ مَنَعَهُ غَرِيمُهُ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ لَهُ السَّفَرُ، وَإِنْ فَعَلَهُ كَانَ عَاصِيًا بِهِ لِأَنَّهُ حَبَسَهُ وَلَهُ وِلَايَةُ حَبْسِهِ لِاسْتِيفَاءِ حَقِّهِ كَالْمُرْتَهِنِ فِي الرَّهْنِ وَإِنْ لَمْ يَمْنَعْهُ فَهَلْ لَهُ الْإِقْدَامُ عَلَى السَّفَرِ؟ ذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِيهِ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ لِأَنَّ الْحَبْسَ عُقُوبَةٌ لَا يَتَوَجَّهُ بِدُونِ الطَّلَبِ وَالِالْتِزَامِ. وَالثَّانِي: لَا لِأَنَّهُ يَمْنَعُ بِسَفَرِهِ حَقًّا وَاجِبًا عَلَيْهِ لِثُبُوتِ الْحَبْسِ فِي حَقِّهِ بَلْ لِمَا يَلْزَمُ فِي سَفَرِهِ مِنْ تَأْخِيرِ الْحَقِّ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ. وَمِنْهَا الْمُفْلِسِ إذَا طَلَبَ الْبَائِعُ مِنْهُ سِلْعَتَهُ الَّتِي يَرْجِعُ بِهَا قَبْلَ الْحَجْرِ لَمْ يَنْفُذْ تَصَرُّفُهُ نَصَّ عَلَيْهِ قَالَ إسْمَاعِيلُ بْنُ سَعِيدٍ سَأَلْت أَحْمَدَ عَنْ الْمُفْلِسِ هَلْ يَجُوزُ فِعْلُهُ فِيمَا اشْتَرَى قَبْلَ أَنْ يُطَالِبَ الْبَائِعَ مِنْهُ بِمَا بَايَعَ الْمُشْتَرِيَ عَلَيْهِ فَقَالَ إنْ أَحْدَثَ فِيهِ الْمُشْتَرِي عِتْقًا أَوْ بَيْعًا أَوْ هِبَةً فَهُوَ جَائِزٌ مَا لَمْ يُطَالِبْ الْبَائِعُ، وَذَلِكَ أَنَّ الْحَدِيثَ قَالَ هُوَ أَحَقُّ بِهِ فَلَا يَكُونُ أَحَقَّ بِهِ إلَّا بِالطَّلَبِ فَلَعَلَّهُ أَنْ لَا يُطَالِبَهُ قُلْت: أَرَأَيْت إنْ طَلَبَهُ فَلَمْ يَدْفَعْهُ إلَيْهِ؟ قَالَ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَا هِبَتُهُ وَلَا صَدَقَتُهُ بَعْدَ الطَّلَبِ وَنَقَلَ عَنْهُ إسْمَاعِيلُ أَيْضًا كَلَامًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُطَالَبَةَ الْبَائِعِ - تَثْبُتُ إمَّا بِتَفْلِيسِ الْحَاكِمِ أَوْ بِاشْتِهَارِ فَلَسِهِ بَيْنَ النَّاسِ، وَكَذَلِكَ نَقَلَ عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الزبداني أَنَّ اشْتِهَارَ فَلَسِهِ بِظُهُورِ أَمَارَاتِهِ يَمْنَعُ نُفُوذَ تَصَرُّفَاتِهِ مُطْلَقًا. وَمِنْهَا لَوْ وُجِدَ مُضْطَرًّا وَعِنْدَهُ طَعَامٌ فَاضِلٌ فَبَادَرَ فَبَاعَهُ أَوْ رَهَنَهُ هَلْ يَصِحُّ؟ قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ فِي الرَّهْنِ يَصِحُّ، وَيَسْتَحِقُّ أَخْذَهُ مِنْ يَدِ الْمُرْتَهِنِ وَالْبَائِعُ مِثْلُهُ، لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَ مَا قَبْلَ الطَّلَبِ وَبَعْدَهُ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ بَعْدَ الطَّلَبِ لِوُجُوبِ الدَّفْعِ بَلْ وَلَوْ قِيلَ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ مُطْلَقًا مَعَ عِلْمِهِ بِاضْطِرَارِهِ لَمْ يَبْعُدْ لِأَنَّ بَذْلَهُ لَهُ وَاجِبٌ بِالثَّمَنِ فَهُوَ كَمَا لَوْ طَالَبَ الشَّفِيعُ بِالشُّفْعَةِ وَأَوْلَى، لِأَنَّ هَذَا يَجِبُ بَذْلُهُ ابْتِدَاءً لِإِحْيَاءِ النَّفْسِ، وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الشَّفِيعَ حَقُّهُ مُتَعَيَّنٌ فِي عَيْنِ الشِّقْصِ، وَهَذَا حَقُّهُ فِي سَدِّ الرَّمَقِ، وَلِهَذَا كَانَ إطْعَامُهُ فَرْضًا عَلَى الْكِفَايَةِ فَإِذَا نَقَلَهُ إلَى غَيْرِهِ تَعَلَّقَ الْحَقُّ بِذَلِكَ الْغَيْرِ وَوَجَبَ الْبَدَلُ عَلَيْهِ وَأَمَّا مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ مُجَرَّدٌ فَيَنْدَرِجُ تَحْتَهُ مَسَائِلُ مُتَعَدِّدَةٌ: مِنْهَا بَيْعُ النِّصَابِ بَعْدَ الْحَوْلِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ نَصَّ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْوُجُوبَ إنْ كَانَ مُتَعَلِّقًا بِالذِّمَّةِ وَحْدَهَا فَلَا إشْكَالَ وَإِنْ كَانَ فِي الْعَيْنِ وَحْدَهَا فَلَيْسَ بِمَعْنَى الشَّرِكَةِ وَلَا بِمَعْنَى انْحِصَارِ الْحَقِّ فِيهَا، وَلَا تَجُوزُ الْمُطَالَبَةُ بِالْإِخْرَاجِ مِنْهَا عَيْنًا مَعَ وُجُودِ غَيْرِهَا، فَلَا يَتَوَجَّهُ انْحِصَارُ الِاسْتِحْقَاقِ فِيهَا بِحَالٍ. وَمِنْهَا بَيْعُ الْجَانِي يَصِحُّ فِي الْمَنْصُوصِ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ، وَسَوَاءٌ طَالَبَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بِحَقِّهِ أَمْ لَا لِأَنَّ حَقَّهُ لَيْسَ فِي مِلْكِ الْعَبْدِ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَلَكَهُ ابْتِدَاءً وَإِنَّمَا وَجَبَ لَهُ أَرْشُ جِنَايَتِهِ وَلَمْ نَجْدِ مَحَلًّا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْوُجُوبُ سِوَى رَقَبَةِ الْعَبْدِ الْجَانِي فَانْحَصَرَ الْحَقُّ فِيهَا بِمَعْنَى الِاسْتِيفَاءِ مِنْهَا فَإِنْ رَضِيَ الْمَالِكُ بِبَذْلِهِ جَازَ وَإِلَّا فَإِنَّمَا لَهُ أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَةِ الْجَانِي أَوْ أَرْشِ جِنَايَتِهِ فَإِنَّهُمَا بَدَلٌ لَزِمَ قَبُولُهُ وَالْمُطَالَبَةُ مِنْهُ إنَّمَا تَتَوَجَّهُ بِحَقِّهِ وَحَقُّهُ هُوَ أَرْشُ الْجِنَايَةِ لَا مِلْكُ رَقَبَةِ الْعَبْدِ عَلَى الصَّحِيحِ فَلَا يَتَوَجَّهُ الْمَنْعُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ لِأَنَّ تَسْلِيمَهُ إلَيْهِ لَمْ يَتَعَيَّنْ. وَمِنْهَا مَنْ مَلَكَ عَبْدًا مِنْ الْغَنِيمَةِ ثُمَّ ظَهَرَ سَيِّدُهُ وَقُلْنَا حَقُّهُ ثَابِتٌ فِيهِ بِالْقِيمَةٍ فَبَاعَهُ الْمُغْتَنِمُ قَبْلَ أَخْذِ سَيِّدِهِ صَحَّ وَيَمْلِكُ السَّيِّدُ انْتِزَاعَهُ مِنْ الثَّانِي، وَكَذَلِكَ لَوْ رَهَنَهُ صَحَّ وَيَمْلِكُ السَّيِّدُ انْتِزَاعَهُ مِنْ الْمُرْتَهِنِ ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ أَنْ يُطَالِبَ بِأَخْذِهِ أَوْ لَا وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْمُطَالَبَةَ تَمْنَعُ التَّصَرُّفَ كَالشُّفْعَةِ. وَمِنْهَا تَصَرُّفُ الْوَرَثَةِ فِي التَّرِكَةِ الْمُعَلَّقِ بِهَا حَقُّ الْغُرَمَاءِ وَفِي صِحَّتِهْ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الصِّحَّةُ وَعَلَى الْمَنْعِ يَنْفُذُ بِالْعِتْقِ كَالرَّهْنِ، وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي نَظَرِيَّاتِهِ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ إلَّا مَعَ يَسَارِهِمْ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُمْ تَبَعٌ لِتَصَرُّفِ الْمُوَرِّثِ فِي مَرَضِهِ، وَهَذَا مُتَوَجِّهٌ عَلَى قَوْلِنَا إنَّ حَقَّ الْغُرَمَاءِ تَعَلَّقَ بِالتَّرِكَةِ فِي الْمَرَضِ. وَمِنْهَا تَصَرُّفُ الزَّوْجَةِ فِي نِصْفِ الصَّدَاقِ بَعْدَ الطَّلَاقِ إذَا قُلْنَا لَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِ الزَّوْجِ قَهْرًا، قَالَ صَاحِبُ التَّرْغِيبِ: يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ خِيَارِ الْبَيْعِ وَبَيْنَ خِيَارِ الْوَاهِبِ. وَمِنْهَا تَصَرُّفُ مَنْ وَهَبَهُ الْمَرِيضُ مَالَهُ كُلَّهُ فِي مَرَضِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ فَيَجُوزُ وَيَنْفُذُ حَتَّى لَوْ كَانَ أَمَةً كَانَ لَهُ وَطْؤُهَا، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَحْدَهُ فِي خِلَافِهِ وَاسْتَبْعَدَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ لِأَنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ فَكَيْفَ يَجُوزُ قَبْلَهَا، وَقَدْ يُقَالُ هُوَ فِي الظَّاهِرِ مَلَكَهُ بِالْقَبْضِ وَمَوْتِ الْوَاهِبِ، وَانْتِقَالُ الْحَقِّ إلَى الْوَرَثَةِ مَظْنُونٌ فَلَا يَمْنَعُ التَّصَرُّفَ، وَأَمَّا تَصَرُّفُ الْمُشْتَرِي فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ لَهُ وَلِلْبَائِعِ فَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى إمْضَاءِ الْبَيْعِ، وَكَذَلِكَ ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي خَالِصِ مِلْكِهِ، وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ سِوَى حَقِّ الْبَائِعِ فِي الْفَسْخِ وَقَدْ زَالَ، فَأَشْبَهَ تَصَرُّفَ الِابْنِ فِيمَا وَهَبَهُ لَهُ الْأَبُ غَيْرَ أَنَّ تَصَرُّفَ الِابْنِ لَا يَقِفُ عَلَى إمْضَاءِ الْأَبِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْأَبِ فِي الْفَسْخِ يَسْقُطُ بِانْتِقَالِ الْمِلْكِ، وَلِأَنَّ تَسَلُّطَ الْأَبِ عَلَى الرُّجُوعِ لَمْ يَكُنْ لِبَقَاءِ أَثَرِ مِلْكِهِ، بَلْ هُوَ حَقٌّ ثَابِتٌ بِالشَّرْعِ مَعَ ثُبُوتِ مِلْكِ الْوَلَدِ وَاسْتِقْرَارِهِ فَلَا يَمْنَعُ التَّصَرُّفَ، وَطُرِدَ هَذَا فِي كُلِّ مَنْ تَصَرَّفَ فِي مِلْكِهِ وَقَدْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ غَيْرِهِ لَا يَبْطُلُ مِنْ أَصْلِهِ كَتَصَرُّفِ الْمَرِيضِ فِيمَا زَادَ عَلَى ثُلُثِ مَالِهِ فَإِنَّهُ يَقِفُ عَلَى إمْضَاءِ الْوَرَثَةِ، وَعِتْقُ الْمُكَاتِبِ لِرَقِيقِهِ يَقِفُ عَلَى تَمَامِ مِلْكِهِ، ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي الْخِلَافِ، وَكَذَا ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ فِي مَسْأَلَةِ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ أَنَّ تَصَرُّفَ الرَّاهِنِ يَصِحُّ وَيَقِفُ عَلَى إجَازَةِ الْمُرْتَهِنِ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ مَجْدُ الدِّينِ أَنَّ هَذَا قَوْلُ مَنْ يَقُولُ بِوَقْفِ تَصَرُّفِ الْفُضُولِيِّ وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ أَيْضًا أَنَّ تَصَرُّفَ الْمُشْتَرِي فِي الشِّقْصِ الْمَشْفُوعِ يَقِفُ عَلَى إجَازَةِ الشَّفِيعِ.
هَذَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ الَّذِي يَسْقُطُ بِالتَّصَرُّفِ قَدْ أَخَذَ بِهِ صَاحِبُهُ وَتَمَلَّكَهُ، وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ قَدْ طَالَبَ بِهِ صَرِيحًا أَوْ إيمَاءً، الَّذِينَ أَنْ يَثْبُتَ لَهُ الْحَقُّ شَرْعًا وَلَمْ يَأْخُذْ بِهِ وَلَمْ يُطَالِبْ بِهِ. فَأَمَّا الْأَوَّلُ: فَلَا يَجُوزُ إسْقَاطُ حَقِّهِ وَلَوْ ضَمِنَهُ بِالْبَدَلِ كَعِتْقِ الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ إذَا قُلْنَا بِنُفُوذِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمَشْهُورِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ، ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَصَاحِبُ الْكَافِي مَعَ أَنَّ عِتْقَهُ يُوجِبُ ضَمَانَ قِيمَتِهِ يَكُونُ رَهْنًا لِأَنَّ فِيهِ إسْقَاطًا لِحَقِّهِ الْقَائِمِ فِي الْعَيْنِ بِغَيْرِ رِضَاهُ، وَكَذَلِكَ إخْرَاجُ الرَّهْنِ بِالِاسْتِيلَادِ مُحَرَّمٌ وَلِأَجْلِهِ مَنَعْنَا أَصْلَ الْوَطْءِ، وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عِتْقُ الْمُفْلِسِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ إذَا نَفَّذْنَاهُ لِأَنَّ غُرَمَاءَهُ قَدْ قَطَعُوا تَصَرُّفَهُ فِيهِ بِالْحَجْرِ وَتَمَلَّكُوا الْمَالَ وَقَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ أَيْضًا فِي تَبْذِيرِهِ قَبْلَ الْحَجْرِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ أَحْمَدَ جَوَازُ عِتْقِ الرَّاهِنِ كَاقْتِصَاصِهِ مِنْ أَحَدِ عَبِيدِهِ الْمَرْهُونِينَ إذَا قَتَلَهُ الْآخَرُ وَلَمْ يَذْكُرْ لِذَلِكَ نَصًّا، وَلَعَلَّهُ أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِهِ بِنُفُوذِ الْعِتْقِ وَلَا يَدُلُّ، وَأَمَّا اقْتِصَاصُ الرَّاهِنِ مِنْ الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ أَوْ مِنْ قَاتِلِهِ، وَقَدْ صَرَّحَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ بِأَنَّهُ يَجُوزُ لِأَنَّ فِيهِ تَفْوِيتًا لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ مِنْ غَيْرِ الرَّهْنِ أَوْ قِيمَتِهِ الْوَاجِبَةِ لَهُ وَوَاجِبًا عَلَى الرَّاهِنِ قِيمَتُهُ تَكُونُ رَهْنًا، وَصَرَّحَا أَيْضًا [هَاهُنَا] بِأَنَّ الْعِتْقَ هَاهُنَا لَا يَجُوزُ وَإِنَّمَا ذَكَرَا جَوَازَهُ فِي مَسْأَلَةِ الْعِتْقِ وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ جَوَازُ الْقِصَاصِ فَيَكُونُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْقِصَاصِ وَالْعِتْقِ أَنَّ وُجُوبَ الْقِصَاصِ تَعَلَّقَ بِالْعَبْدِ تَعَلُّقًا يُقَدَّمُ بِهِ عَلَى حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِدَلِيلِ أَنَّ حَقَّ الْجَانِي مُقَدَّمٌ عَلَى الْمُرْتَهِنِ لِانْحِصَارِ حَقِّهِ فِيهِ بِخِلَافِ الْمُرْتَهِنِ وَهَذَا مَفْقُودٌ فِي الْعِتْقِ. وَأَمَّا الثَّانِي: فَلَا يَجُوزُ أَيْضًا، وَمِنْهُ خِيَارُ الْبَائِعِ الْمُشْتَرَطِ فِي الْعَقْدِ لَا يَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي إسْقَاطُهُ بِالتَّصَرُّفِ فِي الْمَبِيعِ، وَإِنْ قُلْنَا إنَّ الْمِلْكَ لَهُ فَإِنْ اشْتِرَاطَهُ الْخِيَارَ فِي الْعَقْدِ تَعْرِيضٌ بِالْمُطَالَبَةِ بِالْفَسْخِ. وَأَمَّا الثَّالِثُ: فَفِيهِ خِلَافٌ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَيْضًا، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ إسْقَاطُ خِيَارِهِ الثَّابِتِ فِي الْمَجْلِسِ [بِالْعِتْقِ وَلَا غَيْرِهِ] كَمَا لَوْ اشْتَرَطَهُ. وَيَنْدَرِجُ فِي صُوَرِ الْخِلَافِ مَسَائِلُ: مِنْهَا مُفَارَقَةُ أَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ الْآخَرَ فِي الْمَجْلِسِ بِغَيْرِ إذْنِهِ خَشْيَةَ أَنْ يَفْسَخَ الْآخَرُ، وَفِيهِ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا يَجُوزُ؛ لِفِعْلِ ابْنِ عُمَرَ. وَالثَّانِيَة لَا يَجُوزُ؛ لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفَارِقَهُ خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَقِيلَهُ». وَهُوَ صَرِيحٌ فِي التَّحْرِيمِ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ وَصَاحِبِ الْمُغْنِي وَمِنْهَا تَصَرُّفُ الْمُشْتَرِي فِي الشِّقْصِ الْمَشْفُوعِ بِالْوَقْفِ قَبْلَ الطَّلَبِ يَنْبَغِي أَنْ يُخَرَّجَ عَلَى الْخِلَافِ فِي الَّتِي قَبْلَهَا، وَصَرَّحَ الْقَاضِي بِجَوَازِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي مَسْأَلَةِ التَّحَيُّلِ عَلَى إسْقَاطِ الشُّفْعَةِ تَحْرِيمُهُ وَهُوَ الْأَظْهَرُ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الشَّرِيكِ حَتَّى يَعْرِضَ عَلَى شَرِيكِهِ لِيَأْخُذَ أَوْ يَذَرَ، مَعَ أَنَّ حَقَّهُ مِنْ الْأَخْذِ لَا يَسْقُطُ بِذَلِكَ، فَأَوْلَى أَنْ يَنْهَى عَمَّا يُسْقِطُ حَقَّهُ بِالْكُلِّيَّةِ وَمِنْهَا وَطْءُ الْعَبْدِ زَوْجَتَهُ الْأَمَةَ إذَا عَتَقَتْ وَلَمْ تَعْلَمْ بِالْعِتْقِ لِيُسْقِطَ اخْتِيَارَهَا لِلْفَسْخِ، الْأَظْهَرُ تَخْرِيجُهُ عَلَى الْخِلَافِ. وَقَالَ الشَّيْخُ مَجْدُ الدِّينِ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى الْهِدَايَةِ قِيَاسُ مَذْهَبِنَا جَوَازُهُ وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ وَمِنْهَا تَصَرُّفُ الزَّوْجَةِ فِي نِصْفِ الصَّدَاقِ إذَا طَلَّقَ الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَقُلْنَا لَمْ يَمْلِكْهُ [مَهْرًا] فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، فَأَمَّا تَصَرُّفُ أَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ فِيمَا بِيَدِهِ مِنْ الْعِوَضِ إذَا اسْتَحَقَّ الْآخَرُ رَدَّ مَا بِيَدِهِ بِعَيْبٍ أَوْ خَلْفٍ فِي صِفَةٍ فَيَجُوزُ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ لَا يَمْنَعُ حَقَّ الْآخَرِ مِنْ رَدِّ مَا بِيَدِهِ فَإِذَا رَدَّهُ اسْتَحَقَّ الرُّجُوعَ بِالْعِوَضِ الَّذِي بَدَّلَهُ إنْ كَانَ بَاقِيًا وَإِلَّا رَجَعَ بِبَدَلِهِ وَقِيَاسُ هَذَا أَنَّ لِلْبَائِعِ التَّصَرُّفَ فِي الثَّمَنِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ أَنَّ لِلْبَائِعِ التَّصَرُّفَ فِي الثَّمَنِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ إلَّا أَنْ يَتَّخِذَ حِيلَةً عَلَى أَنْ يُقْرِضَ غَيْرَهُ مَالًا وَيَأْخُذَ مِنْهُ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ صُورَةَ الْبَيْعِ وَيَشْتَرِطُ الْخِيَارَ لِيَرْجِعَ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الْحِيلَةِ فَيَجُوزُ وَلَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي الثَّمَنِ.
الْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ تَمَلُّكًا، وَلَا يَنْفُذُ وَفِي بَعْضِ صُوَرِهَا خِلَافٌ، وَمِنْ صُوَرِ الْمَسْأَلَةِ الْبَائِعُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ إذَا تَصَرَّفَ فِي الْمَبِيعِ لَمْ يَكُنْ تَصَرُّفُهُ فَسْخًا وَلَمْ يَنْفُذْ نَصَّ عَلَيْهِ وَقَالَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يَجُوزُ عِتْقُ الْبَائِعِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَالِكٍ لَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ إنَّمَا لَهُ فِيهِ خِيَارٌ فَإِذَا اخْتَارَهُ ثُمَّ أَعْتَقَهُ جَازَ فَأَمَّا دُونَ أَنْ يَرُدَّ الْبَيْعَ فَلَا. وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي الْمَسْأَلَةِ عَلَى طُرُقٍ: أَحَدُهَا: لَا يَكُونُ فَسْخًا رِوَايَةً وَاحِدَةً وَإِنَّمَا يَنْفَسِخُ بِالْقَوْلِ وَهِيَ طَرِيقَةُ أَبِي بَكْرٍ وَالْقَاضِي فِي خِلَافِهِ وَصَاحِبِ الْمُحَرَّرِ وَهِيَ أَصَحُّ وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى أَنَّ بَيْعَهُ لَيْسَ بِفَسْخٍ فِي رِوَايَةِ إسْمَاعِيلَ بْنِ سَعِيدٍ وَنَصَّ عَلَى أَنَّهُ إذَا وَطِئَ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا. وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَة: أَنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى رِوَايَتَيْنِ وَهِيَ طَرِيقَةُ الْقَاضِي فِي كِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ وَأَبِي الْخَطَّابِ وَابْنِ عَقِيلٍ وَصَاحِبِ الْمُغْنِي وَرَجَّحَ أَنَّهُ فَسْخٌ لِأَنَّ مِلْكَ الْمُشْتَرِي فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ فَيَنْفَسِخُ بِمُجَرَّدِ تَصَرُّفِ الْبَائِعِ بِخِلَافِ بَائِعِ الْمُفْلِسِ فَإِنَّ مِلْكَ الْمُفْلِسِ تَامٌّ. وَالطَّرِيقَةُ الثَّالِثَةُ أَنَّ تَصَرُّفَهُ فَسْخٌ بِغَيْرِ خِلَافٍ كَمَا أَنَّ تَصَرُّفَ الْمُشْتَرِي إمْضَاءٌ وَإِبْطَالٌ لِلْخِيَارِ فِي الْمَنْصُوصِ، وَهِيَ طَرِيقَةُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَالْحَلْوَانِيِّ فِي الْكِفَايَةِ وَهِيَ مُخَالِفَةٌ لِلْمَنْصُوصِ وَلَا يَصِحُّ اعْتِبَارُ فَسْخِ الْبَائِعِ بِإِمْضَاءِ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ مِلْكَ الْمُشْتَرِي قَائِمٌ وَمِلْكَ الْبَائِعِ مَفْقُودٌ. وَالطَّرِيقَةُ الرَّابِعَةُ: أَنَّ تَصَرُّفَهُ بِالْوَطْءِ فَسْخٌ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ اخْتِيَارٌ بِدَلِيلِ وَطْءِ مَنْ أَسْلَمَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ وَبِغَيْرِهِ وَفِيهِ الْخِلَافُ وَهِيَ طَرِيقَةُ صَاحِبِ الْكَافِي وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِأَنَّ الْوَطْءَ اخْتِيَارٌ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَحَكَاهُ فِي الْخِلَافِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ وَلَمْ أَجِدْهُ فِيهِ وَلَا يَصِحُّ إلْحَاقُ وَطْءِ الْبَائِعِ بِوَطْءِ مَنْ أَسْلَمَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ لِأَنَّ مِلْكَهُ قَائِمٌ فَلِذَلِكَ كَانَ الْوَطْءُ اخْتِيَارًا فِي حَقِّهِ فَهُوَ كَوَطْءِ الْمُشْتَرِي هَاهُنَا وَالْبَائِعُ بِخِلَافِهِ وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى أَنَّ عَلَيْهِ الْحَدَّ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا وَأَمَّا نُفُوذُ التَّصَرُّفِ فَهُوَ مَمْنُوعٌ عَلَى الْأَقْوَالِ كُلِّهَا، صَرَّحَ بِهِ الْأَكْثَرُونَ مِنْ الْأَصْحَابِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ مِلْكٌ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَتَقَدَّمَهُ سَبَبٌ يُوجِبُ الِانْفِسَاخَ كَالسَّوْمِ وَنَحْوِهِ، وَذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ فِي التَّبْصِرَةِ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ وَيَتَخَرَّجُ مِنْ قَاعِدَةٍ لَنَا سَنَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَهِيَ أَنَّهُ هَلْ تَكْفِي مُقَارَنَةُ شَرْطِ الْعَقْدِ فِي صِحَّتِهِ؟ وَمِنْهَا إذَا بَاعَ أَمَةً بِعَبْدٍ ثُمَّ وَجَدَ بِالْعَبْدِ عَيْبًا فَلَهُ الْفَسْخُ وَاسْتِرْجَاعُ الْأَمَةِ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ السِّلَعِ الْمَعِيبَةِ إذَا عَلِمَ بِهَا بَعْدَ الْعَقْدِ وَلَيْسَ لَهُ التَّصَرُّفُ فِي عِوَضِهِ الَّذِي أَدَّاهُ لِأَنَّ مِلْكَ الْآخَرِ عَلَيْهِ تَامٌّ مُسْتَقِرٌّ فَلَوْ أَقْدَمَ وَأَعْتَقَ الْأَمَةَ أَوْ وَطِئَهَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فَسْخًا وَلَمْ يَنْفُذْ عِتْقُهُ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ وَذَكَرَ فِي الْمُجَرَّدِ وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ احْتِمَالًا آخَرَ أَنَّ وَطْأَهُ يَكُونُ اسْتِرْجَاعًا كَمَا فِي وَطْءِ الْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ. وَمَنْ أَسْلَمَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ وَهَذَا وَاهٍ جِدًّا فَإِنَّ الْمِلْكَ عَنْ الرَّجْعِيَّةِ وَمَنْ أَسْلَمَ عَلَيْهِنَّ لَمْ يَزُلْ وَهَذَا قَدْ زَالَ. وَمِنْهَا لَوْ بَاعَ أَمَةً ثُمَّ أَفْلَسَ الْمُشْتَرِي قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ وَالْأَمَةُ مَوْجُودَةٌ بِعَيْنِهَا فَلَهُ اسْتِرْجَاعُهَا بِالْقَوْلِ بِدُونِ إذْنِ الْحَاكِمِ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي بِنَاءً عَلَى نَقْضِ حُكْمِ الْحَاكِمِ بِخِلَافِهِ فَيَكُونُ كَالْفَسْخِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى حَاكِمٍ، وَلَوْ أَقْدَمَ عَلَى التَّصَرُّفِ فِيهَا ابْتِدَاءً لَمْ يَنْفُذْ وَلَمْ يَكُنْ اسْتِرْجَاعًا، وَكَذَلِكَ الْوَطْءُ ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ لِتَمَامِ مِلْكِ الْمُفْلِسِ. وَفِي الْمُجَرَّدِ وَالْفُصُولِ أَنَّ الْوَطْءَ اسْتِرْجَاعٌ وَأَنَّ فِيهِ احْتِمَالًا آخَرَ بِعَدَمِهِ، وَيُمْكِنُ تَخْرِيجُ هَذَا الْخِلَافِ فِي سَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ عَلَى طَرِيقَةِ مَنْ أَثْبَتَ الْخِلَافَ فِي تَصَرُّفِ الْبَائِعِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ لِأَنَّ مِلْكَ الْمُفْلِسِ غَيْرُ تَامٍّ بِدَلِيلِ مَنْعِهِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ لِحَقِّ الْبَائِعِ فَهُوَ كَالْمُشْتَرِي فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ غَيْرَ أَنَّ ضَعْفَ الْمِلْكِ هَاهُنَا طَارِئٌ وَفِي الذَّكَرِ الْخِيَارِ مُبْتَدِئٌ وَلَا أَثَرَ لِذَلِكَ. وَمِنْهَا تَصَرُّفُ الشَّفِيعِ فِي الشِّقْصِ الْمَشْفُوعِ قَبْلَ التَّمَلُّكِ هَلْ يَكُونُ تَمَلُّكًا وَيَقُومُ ذَلِكَ مَقَامَ قَوْلِهِ أَوْ تَمَلُّكِهِ أَوْ مَقَامَ الْمُطَالَبَةِ عِنْدَ مَنْ أَثْبَتَ بِهَا الْمِلْكَ أَوْ مَقَامَ الْأَخْذِ بِالْيَدِ عِنْدَ مَنْ أَثْبَتَ الْمِلْكَ بِهِ يُمْكِنُ] عَلَى تَخْرِيجِهِ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا، وَلَاسِيَّمَا بَعْدَ الْمُطَالَبَةِ لِأَنَّ حَقَّهُ اسْتَقَرَّ وَثَبَتَ وَانْقَطَعَ تَصَرُّفُ الْمُشْتَرِي. وَمِنْهَا لَوْ وَهَبَ الْأَبُ لِوَلَدِهِ شَيْئًا وَقَبَضَهُ الْوَلَدُ ثُمَّ تَصَرَّفَ الْأَبُ فِيهِ بَعْدَ الْقَبْضِ هَلْ يَكُونُ تَصَرُّفُهُ رُجُوعًا؟ الْمَنْصُوصُ أَنْ لَا. قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ إذَا وَهَبَ لِابْنِهِ جَارِيَةً وَقَبَضَهَا الِابْنُ لَمْ يَجُزْ لِلْأَبِ عِتْقُهَا حَتَّى يَرْجِعَ فِيهَا. وَقَالَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ هَانِئٍ هَذِهِ الْجَارِيَةُ لِلِابْنِ وَأَعْتَقَ الْأَبُ مَا لَيْسَ لَهُ، وَخَرَّجَ أَبُو حَفْصٍ الْبَرْمَكِيُّ فِي كِتَاب حُكْمِ الْوَالِدَيْنِ فِي مَالِ وَلَدِهِمَا رِوَايَةً أُخْرَى أَنَّ الْعِتْقَ صَحِيحٌ وَيَكُونُ رُجُوعًا وَسَيَأْتِي تَخْرِيجُ هَذَا الْأَصْلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَفِي التَّلْخِيصِ لَا يَكُونُ وَطْؤُهُ رُجُوعًا وَهَلْ يَكُونُ بَيْعُهُ وَعِتْقُهُ وَنَحْوُهُمَا رُجُوعًا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ وَلَا يَنْفُذُ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُ لَمْ يُلَاقِ الْمِلْكَ مَثَانِينَ وَجْهٌ بِنُفُوذِهِ لِاقْتِرَانِ الْمِلْكِ بِهِ كَمَا سَبَقَ. وَمِنْهَا لَوْ تَصَرَّفَ الْوَالِدُ فِي مَالِ وَلَدِهِ الَّذِي يُبَاحُ لَهُ تَمَلُّكُهُ قَبْلَ التَّمَلُّكِ لَمْ يَنْفُذْ [انْتَهَى]. وَلَمْ يَكُنْ تَمَلُّكًا عَلَى الْمَعْرُوفِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَأَنَّ تَمَلُّكَهُ لَا يَحْصُلُ بِدُونِ الْقَبْضِ الَّذِي يُرَادُ التَّمَلُّكُ بِهِ وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي مَوَاضِعَ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ فَلَمْ يَتَمَلَّكْ بِدُونِ قَبْضِهِ كَالِاصْطِيَادِ وَالِاحْتِشَاشِ وَلَمْ يُخَرِّجُوا فِي تَمَلُّكِهِ بِالْقَبُولِ خِلَافًا مِنْ الْهِبَةِ وَنَحْوِهَا لِأَنَّ الْهِبَةَ عَقْدٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَيُكْتَفَى فِيهِ بِالْقَبُولِ كَعُقُودِ الْمُعَاوَضَةِ وَهَاهُنَا اكْتِسَابُهُ مَالٌ مُبَاحٌ مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ فَلَا يُكْتَفَى فِيهِ بِدُونِ الْقَبْضِ وَالْحِيَازَةِ وَمَا لَمْ يَجُزْ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ وَخَرَّجَ أَبُو حَفْصٍ الْبَرْمَكِيُّ رِوَايَةً أُخْرَى بِصِحَّةِ تَصَرُّفِهِ بِالْعِتْقِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَأُخِذَ ذَلِكَ مِمَّا رَوَاهُ الْمَرُّوذِيّ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لَوْ أَنَّ لِابْنِهِ جَارِيَةً فَعَتَقَهَا كَانَ جَائِزًا وَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَكَمِ يُعْتِقُ الْأَبُ مِنْ مَالِ الِابْنِ وَهُوَ مِلْكُ الِابْنِ حَتَّى يَعْتِقَ الْأَبُ أَوْ يُؤْخَذَ وَفِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ أَرَى أَنَّ مَالَهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ وَيُعْتَقُ مِنْهُ إلَّا أُمَّ وَلَدِ ابْنِهِ وَفِي تَوْجِيه هَذِهِ الرِّوَايَةِ طَرِيقَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ رَقِيقَ الِابْنِ لَهُ فِيهِ شِبْهُ مِلْكٍ وَلِذَلِكَ نَفَذَ اسْتِيلَاؤُهُ فَيَنْفُذُ عِتْقُهُ كَعِتْقِ أُمِّهِ مِنْ الْمَغْنَمِ لَكِنْ لَا يَضْمَنُ لِأَنَّ الْأَبَ لَا يُطَالَبُ بِمَا أَتْلَفَهُ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ. وَالثَّانِي: أَنْ يُقَالَ وَقَعَ الْمِلْكُ مُقَارِنًا لِلْعِتْقِ فَنَفَذَ وَهَذَا الْقَدْرُ مِنْ الْمِلْكِ يُكْتَفَى بِهِ فِي الْعِتْقِ كَمَا لَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ اعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي وَعَلَيَّ ثَمَنُهُ فَفَعَلَ صَحَّ وَوَقَعَ الْعِتْقُ وَالْمِلْكُ مَعًا، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ بَيْعُ الْأَبِ وَشِرَاؤُهُ عَلَى ابْنِهِ جَائِزٌ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ» وَظَاهِرُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ جَوَازُ الْإِقْدَامِ عَلَى التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ وَنُفُوذِهِ وَحُصُولُ التَّصَرُّفِ بِهِ وَفِي التَّنْبِيهِ لِأَبِي بَكْرٍ بَيْعُ الْأَبِ عَلَى ابْنِهِ وَعِتْقُهُ وَصَدَقَتُهُ وَوَطْءُ إمَائِهِ مَا لَمْ يَكُنْ الِابْنُ قَدْ وَطِئَ جَائِزٌ وَيَجُوزُ لَهُ بَيْعُ عَبِيدِهِ وَإِمَائِهِ وَعِتْقُهُمْ، وَلِهَذَا الْقَوْلِ مَأْخَذَانِ أَيْضًا: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمِلْكَ يَقْتَرِنُ بِالتَّصَرُّفِ فَيَنْفُذُ كَمَا فِي نَظِيرِهِ. وَالثَّانِي: أَنَّ هَذَا تَمَلُّكٌ قَهْرِيٌّ فِي مَالٍ مُعَيَّنٍ فَيُكْتَفَى فِيهِ بِالْقَوْلِ الدَّالِّ عَلَى التَّمَلُّكِ كَمَا مَلَكَ الْهِبَةَ الْمُعَيَّنَةَ بِمُجَرَّدِ الْقَبُولِ عَلَى رِوَايَةٍ، وَلِهَذَا حَكَى طَائِفَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ فِي بَيْعِ الْمُبَاحَاتِ النَّابِتَةِ وَالْجَارِيَةِ فِي الْأَرْضِ الْمَمْلُوكَةِ [قَبْلَ حِيَازَتِهَا] رِوَايَتَيْنِ وَلَمْ يَذْكُرُوا خِلَافًا فِي أَنَّهَا عَيْنٌ مَمْلُوكَةٌ وَمِمَّنْ سَلَكَ هَذَا الْمَسْلَكَ صَاحِبُ الْمُقْنِعِ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَوَجْهُ صِحَّةِ الْبَيْعِ عَلَى هَذَا أَنَّهُ مَقْدُورٌ عَلَى تَسْلِيمِهِ وَلَيْسَ مَمْلُوكًا لِغَيْرِهِ فَهُوَ كَالْمَمْلُوكِ، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ بَيْعِ الصِّكَاكِ قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِيهَا، وَأَمَّا تَصَرُّفُ الْأَبِ فِي أَمَةِ وَلَدِهِ بِالْوَطْءِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنْ أَحْبَلَهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يُحْبِلْهَا، فَإِنْ قُلْنَا لَا يَمْلِكْ الْأَبُ مَالَ وَلَدِهِ إلَّا بِالْقَبْضِ لَمْ يَمْلِكْهَا حَتَّى يَقْبِضَهَا، وَإِنْ قُلْنَا يَمْلِكُ بِمُجَرَّدِ التَّصَرُّفِ صَارَتْ مِلْكًا لَهُ بِالْوَطْءِ بِمُجَرَّدِهِ، وَنَقَلْتُ مِنْ خَطِّ الْقَاضِي وَذَكَرَ أَنَّهُ نَقَلَهُ مِنْ خَطِّ ابْنِ شَاقِلَا قَالَ الشَّيْخُ يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ عَبْدَ الْعَزِيزِ، رَوَى الْأَثْرَمُ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا وَطِئَهَا زَوْجُهَا وَانْقَضَتْ الْعِدَّةُ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ فَإِنْ أَتَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَتَدَاعَيَاهُ جَمِيعًا أَرَى الْقَافَةَ. وَقَالَ إذَا وَطِئَ الرَّجُلُ جَارِيَةَ ابْنِهِ وَإِنْ كَانَ الِابْنُ قَدْ وَطِئَ فَلَا حَدَّ عَلَى الْأَبِ لِأَنَّهَا بِنَفْسِ الْوَطْءِ مِلْكٌ لَهُ قَالَ الشَّيْخُ فِي نَفْسِي مِنْ مَسْأَلَةِ الْأَثْرَمِ شَيْءٌ انْتَهَى. فَإِنْ كَانَ قَوْلُهُ إذَا وَطِئَ الرَّجُلُ جَارِيَةَ ابْنِهِ إلَى آخِرِهِ مِنْ تَمَامِ رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ فَيَكُونُ ذَلِكَ مَنْصُوصًا عَنْ أَحْمَدَ وَإِلَّا فَهُوَ مِنْ كَلَامِ أَبِي بَكْرٍ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا ذَكَرَهُ فِي التَّنْبِيهِ كَمَا حَكَيْنَاهُ عَنْهُ. وَقَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ الِابْنُ قَدْ وَطِئَ يُرِيدُ أَنَّ تَمَلُّكَهَا يَثْبُتُ مَعَ وَطْءِ الِابْنِ فَأَمَّا ثُبُوتُ الِاسْتِيلَادِ فَفِيهِ خِلَافٌ فِي الْمَذْهَبِ وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ عَنْ أَحْمَدَ كَلَامًا يَدُلُّ بِمَفْهُومِهِ عَلَى أَنَّهَا لَا تَصِيرُ مُسْتَوْلَدَةً لَهُ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ أَبِي مُوسَى وَالْمُرَجَّحُ عِنْدَ صَاحِبِ الْمُغْنِي أَنَّهَا تَصِيرُ مُسْتَوْلَدَةً لِأَنَّ التَّحْرِيمَ لَا يُنَافِي الِاسْتِيلَادَ وَكَالْأَمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ وَلَكِنْ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ وَهُوَ أَنَّ هَذِهِ مُحَرَّمَةٌ عَلَى التَّأْبِيدِ بِخِلَافِ الْمُشْتَرَكَةِ وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى أَنَّ النَّسَبَ لَا يَلْحَقُ بِوَطْءِ الْأَمَةِ الْمُزَوَّجَةِ وَإِنْ كَانَ زَوْجُهَا صَغِيرًا لَا يُولَدُ لِمِثْلِهِ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ وَابْنِ بُخْتَانَ وَذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ وَابْنُ أَبِي مُوسَى فَلِمُؤَبَّدَةِ التَّحْرِيمِ أَوْلَى هَذَا كُلُّهُ مَا لَمْ يَكُنْ الِابْنُ قَدْ اسْتَوْلَدَهَا فَإِنْ كَانَ اسْتَوْلَدَهَا لَمْ يَنْتَقِلْ الْمِلْكُ فِيهَا بِاسْتِيلَادِ غَيْرِهِ كَمَا لَا يَنْتَقِلُ بِالْعُقُودِ، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي فُنُونِهِ أَنَّهَا تَصِيرُ مُسْتَوْلَدَةً لَهُمَا جَمِيعًا كَمَا لَوْ وَطِئَ الشَّرِيكَانِ أَمَتَهُمَا فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ وَأَتَتْ بِوَلَدٍ أَلْحَقَتْهُ الْقَافَةُ بِهِمَا لَكِنْ فِي مَسْأَلَةِ الْقَافَةِ حُكِمَ بِاسْتِيلَادِهِمَا [لَهَا] دُفْعَةً وَاحِدَةً وَفِي مَسْأَلَتِنَا قَدْ ثَبَتَ اسْتِيلَادُ الِابْنِ أَوَّلًا لَهَا فَلَا يَنْتَقِلُ إلَى غَيْرِهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ أُمُّ الْوَلَدِ تُمْلَكُ بِالْقَهْرِ عَلَى رِوَايَةٍ وَالِاسْتِيلَادُ سَبَبٌ قَهْرِيٌّ وَمِنْهَا تَصَرُّفُ السَّيِّدِ فِي مَالِ عَبْدِهِ الَّذِي مَلَّكَهُ إيَّاهُ وَقُلْنَا يَمْلِكُهُ، ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ يَنْفُذُ وَيَكُونُ اسْتِرْجَاعًا لِتَضَمُّنِهِ إيَّاهُ وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ حَمْلَهُ عَلَى أَنَّهُ سَبَقَ رُجُوعَهُ التَّصَرُّفُ لِيَنْفُذَ. وَمِنْهَا تَصَرُّفُ الْمُوصَى لَهُ بِالْوَصِيَّةِ بَعْدَ الْمَوْتِ هَلْ يَقُومُ مَقَامَ الْقَبُولِ؟ الْأَظْهَرُ قِيَامُهُ مَقَامَهُ لِأَنَّ سَبَبَ الْمِلْكِ قَدْ اسْتَقَرَّ لَهُ التَّيَّابِينَ لَا يُمْكِنُ إبْطَالُهُ وَقَدْ كَمُلَ بِالْمَوْتِ عَلَى أَحَدِ الْوُجُوهِ وَهُوَ مَنْصُوصٌ عَنْ أَحْمَدَ وَمِثْلُهُ الْوَقْفُ عَلَى مُعَيَّنٍ إذَا قِيلَ بِاشْتِرَاطِ قَبُولِهِ فَأَمَّا الْعُقُودُ الَّتِي تُمَلَّك لَهُ مُوجَبُهَا الرُّجُوعُ فِيهَا قَبْلَ الْقَبُولِ، فَهَلْ يَقُومُ التَّصَرُّفُ فِيهَا مَقَامَ الْقَبُولِ؟ فِيهِ تَرَدُّدٌ يَلْتَفِتُ إلَى انْعِقَادِ الْعُقُودِ بِالْمُعَاطَاةِ فَأَمَّا الْوِكَالَةُ فَيَصِحُّ قَبُولُهَا بِالْفِعْلِ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ لِأَنَّهَا إذْنٌ مُجَرَّدٌ وَأَمْرٌ بِالتَّصَرُّفِ فَيَصِحُّ امْتِثَالُهُ بِالْفِعْلِ وَهَلْ يُسَاوِيهَا فِي ذَلِكَ سَائِرُ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ كَالشَّرِكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ وَالْمُسَاقَاةِ؟ ظَاهِرُ كَلَامِ التَّلْخِيصِ أَوْ صَرِيحُهُ الْمُسَاوَاةُ وَحَكَى الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ فِي صِحَّةِ قَبُولِ الْقَاضِي الْقَضَاءَ بِشُرُوعِهِ فِي النَّظَرِ احْتِمَالَيْنِ وَجَعَلَ مَأْخَذَهُمَا هَلْ يَجْرِي الْفِعْلُ مَجْرَى النُّطْقِ لِدَلَالَتِهِ عَلَيْهِ وَيَحْسُنُ بِنَاؤُهُمَا عَلَى أَنَّ وِلَايَةَ الْقَضَاءِ عَقْدٌ جَائِزٌ أَوْ لَازِمٌ. وَمِنْهَا الْمُطَلَّقَةُ الرَّجْعِيَّةِ هَلْ تَحْصُلُ رَجْعَتُهَا بِالْوَطْءِ؟ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ مَأْخَذُهُمَا عِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ [الْخِلَافُ فِي وَطْئِهَا] هَلْ هُوَ مُبَاحٌ أَوْ مُحَرَّمٌ وَالصَّحِيحُ بِنَاؤُهُ عَلَى اعْتِبَارِ الْإِشْهَادِ لِلرَّجْعِيَّةِ وَعَدَمِهِ وَهُوَ الْبِنَاءُ الْمَنْصُوصُ عَنْ الْإِمَامِ وَلَا عِبْرَةَ بِحِلِّ الْوَطْءِ وَلَا عَدَمِهِ فَلَوْ وَطِئَهَا فِي الْحَيْضِ أَوْ غَيْرِهِ كَانَتْ رَجْعَةً، وَهَلْ يَشْتَرِطُ غَيْرُهُ أَنْ يَنْوِيَ بِالْوَطْءِ الرَّجْعَةَ أَمْ لَا؟ نَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ عَنْ أَحْمَدَ اعْتِبَارَهُ وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ أَبِي مُوسَى وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الْقَاضِي وَمَنْ اتَّبَعَهُ خِلَافُ ذَلِكَ، وَلَكِنَّ الرَّجْعِيَّةَ لَمْ يَزُلْ النِّكَاحُ عَنْهَا بِالْكُلِّيَّةِ وَإِنَّمَا حَصَلَ لَهُ تَشَعُّثٌ لَكِنَّ الرَّجْعَةَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا الِاسْتِبَاحَةُ حَقِيقَةً فِي الْمُدَّةِ الزَّائِدَةِ عَلَى الْعِدَّةِ.
الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ الِاكْتِفَاءُ بِالْمُقَارَنَةِ فِي الصِّحَّةِ وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ لَا بُدَّ مِنْ السَّبْقِ وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ حَامِدٍ وَالْقَاضِي فِي الْجُمْلَةِ وَيَتَخَرَّجُ عَلَى ذَلِكَ مَسَائِلُ قَدْ ذَكَرْنَا عِدَّةً مِنْهَا فِي الْقَاعِدَةِ السَّابِقَةِ وَمِنْهَا إذَا أَعْتَقَ أَمَتَهُ وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا فَالْمَنْصُوصُ الصِّحَّةُ اكْتِفَاءً بِاقْتِرَانِ شُرُوطِ النِّكَاحِ وَهُوَ الْحُرِّيَّةُ بِهِ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ السُّنَّةُ الصَّحِيحَةُ وَاخْتَارَ ابْنُ حَامِدٍ وَالْقَاضِي عَدَمَ الصِّحَّةِ فَمِنْهُمْ مَنْ [جَعَلَ] مَأْخَذَهُ انْتِفَاءَ لَفْظِ النِّكَاحِ الصَّرِيحِ وَهُوَ ابْنُ حَامِدٍ وَمِنْهُمْ مَنْ [جَعَلَ] مَأْخَذَهُ انْتِفَاءَ تَقَدُّمِ الشَّرْطِ. وَمِنْهَا لَوْ بَاعَهُ شَيْئًا بِشَرْطِ أَنْ يَرْهَنَهُ عَلَى ثَمَنِهِ صَحَّ نَصَّ عَلَيْهِ وَقَالَ الْقَاضِي وَابْنُ حَامِدٍ لَا يَصِحُّ لِانْتِفَاءِ الْمِلْكِ لِلرَّهْنِ وَلَا تَكْفِي الْمُقَارَنَةُ. وَمِنْهَا لَوْ كَاتَبَ عَبْدَهُ وَبَاعَهُ شَيْئًا صَفْقَةً وَاحِدَةً فَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا [أَنَّهُ] يَصِحُّ وَقِيلَ إنَّهُ الْمَنْصُوصُ وَذَكَرَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ فِي النِّكَاحِ وَأَبُو الْخَطَّابِ وَالْأَكْثَرُونَ اكْتِفَاءً بِاقْتِرَانِ الْبَيْعِ وَشَرْطِهِ وَهُوَ كَوْنُ الْمُشْتَرِي مُكَاتَبًا يَصِحُّ مُعَامَلَتُهُ لِلسَّيِّدِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَصِحُّ قَالَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْبُيُوعِ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ لَمْ تَسْبِقْ عَقْدَ الْبَيْعِ. وَمِنْهَا لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ وَكِيلٌ لِزَيْدٍ وَأَنَّ لِزَيْدٍ عَلَى فُلَانٍ أَلْفًا وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ بِالْوِكَالَةِ وَالدَّيْنِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ فَهَلْ يَقْبَلُ وَيَدْفَعُ إلَيْهِ الْمَالَ أَمْ لَا بُدَّ مِنْ تَقَدُّمِ ثُبُوتِ الْوِكَالَةِ عَلَى ثُبُوتِ الدَّيْنِ، قَالَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ وَالْأَشْبَهُ اعْتِبَارُ تَقَدُّمِ الْوِكَالَةِ لِأَنَّهُ مَا لَمْ نُثْبِتْ وِكَالَتَهُ لَا يَجِبُ الدَّفْعُ إلَيْهِ وَاسْتَشْهَدَ لِلْقَبُولِ بِمَا لَوْ شَهِدَ أَنَّهُ ابْتَاعَ مِنْ فُلَانٍ دَارًا وَهُوَ مَالِكٌ لَهَا بِأَنَّهُ يَصِحُّ شَهَادَتُهُمَا بِالْبَيْعِ وَالْمِلْكِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ. وَمِنْهَا لَوْ قَالَ إذَا تَزَوَّجْتُ فُلَانَةَ فَقَدْ وَكَّلْتُكَ فِي طَلَاقِهَا فَفِي التَّلْخِيصِ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ صِحَّتُهُ، وَيَتَخَرَّجُ وَجْهٌ آخَرُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ لِاقْتِرَانِ الْوِكَالَةِ وَشَرْطِهَا إذْ شَرْطُهَا أَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّلُ مَالِكًا لِمَا وَكَّلَ فِيهِ وَمِلْكُ الطَّلَاقِ يَتَرَتَّبُ عَلَى ثُبُوتِ النِّكَاحِ فَيُقَارِنُ الْوَكَالَةَ. وَمِنْهَا لَوْ وُجِدَتْ الْكَفَاءَةُ فِي النِّكَاحِ حَالَ الْعَقْدِ بِأَنْ يَقُولَ سَيِّدُ الْعَبْدِ بَعْدَ إيجَابِ النِّكَاحِ قَبِلْت لَهُ هَذَا النِّكَاحَ وَأَعْتَقْتُهُ فَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ صِحَّتُهُ قَالَ وَيَتَخَرَّجُ فِيهِ وَجْهٌ آخَرُ يَمْنَعُهَا فَأَمَّا اقْتِرَانُ الْحُكْمِ مَعَ شَرْطِهِ فِي غَيْرِ عَقْدٍ هَلْ يَثْبُتُ بِهِ الْحُكْمُ أَمْ لَا؟ يَتَخَرَّجُ عَلَيْهِ مَسَائِلُ مِنْهَا صِحَّةُ الْوَصِيَّةِ لِمَنْ تَثْبُتُ أَهْلِيَّةُ مِلْكِهِ بِالْمَوْتِ كَأُمِّ الْوَلَدِ وَمُدَّبَّرِهِ فَإِنَّ السَّبَبَ الْمُسْتَحِقَّ بِهِ هُوَ الْإِيصَاءُ وَشَرْطُ الِاسْتِحْقَاقِ هُوَ الْمَوْتُ وَعَلَيْهِ يَتَرَتَّبُ الِاسْتِحْقَاقُ، وَقَدْ اقْتَرَنَ بِهِ وُجُودُ أَهْلِيَّةِ الْمُسْتَحِقِّ فَيَكْفِي فِي ثُبُوتِ الْمِلْكِ، هَذَا إذَا قُلْنَا إنَّ الْوَصِيَّةَ تُمْلَكُ بِالْمَوْتِ مِنْ غَيْرِ قَبُولٍ، وَإِنْ قُلْنَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبُولِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ فَإِنَّ الْقَبُولَ يَتَأَخَّرُ عَنْ أَهْلِيَّةِ الِاسْتِحْقَاقِ فَيَصِحُّ الْقَبُولُ حِينَئِذٍ وَلَا يَضُرُّ فَوَاتُ أَهْلِيَّتِهِ عِنْدَ الْمَوْتِ فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ اعْتِقُوا [عَنِّي] عَبْدِي وَأَعْطُوهُ كَذَا لَصَحَّتْ هَذِهِ الْوَصِيَّةُ وَمِنْهَا إذَا وُجِدَتْ الْحُرِّيَّةُ عَقِيبَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ أَوْ مَعَهُ كَمَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ مَاتَ أَبُوك فَأَنْتَ حُرٌّ وَكَانَ أَبُوهُ حُرًّا فَمَاتَ أَوْ دَبَّرَ ابْنَ عَمِّهِ ثُمَّ مَاتَ فَإِنَّهُ لَا يَرِثُهُ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَصَاحِبُ الْمُغْنِي وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ الْمَانِعَ لَا يُؤَثِّرُ زَوَالُهُ حَالَ الِاسْتِحْقَاقِ كَمَا لَا يُؤَثِّرُ وُجُودُهُ عِنْدَنَا فِي إسْلَامِ الطِّفْلِ بِمَوْتِ أَبَوَيْهِ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ يَنْبَغِي أَنْ يُخَرَّجَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا حَدَثَتْ الْأَهْلِيَّةُ مَعَ الْحُكْمِ هَلْ يُكْتَفَى بِهَا أَمْ يُشْتَرَطُ تَقَدُّمُهَا فَإِنْ قُلْنَا تَكْفِي الْمُقَارَنَةُ وَرِثَ لِأَنَّهُ صَارَ حُرًّا وَمَالِكًا فِي حَالَةٍ الرستفغني انْتَهَى. وَلَا يُقَالُ هَذَا يَقْتَضِي اقْتِرَانَ الْعِلَّةِ وَمَعْلُولَهَا وَهُوَ عِنْدَكُمْ بَاطِلٌ لِأَنَّا نَقُولُ عِلَّةُ الْإِرْثِ وَسَبَبُهُ هُوَ النَّسَبُ وَهُوَ سَابِقٌ عَلَى الْمَوْتِ وَإِنَّمَا الْحُرِّيَّةُ شَرْطٌ لَهُ وَمِنْهَا عِدَّةُ أُمِّ الْوَلَدِ إذَا تَوَفَّى سَيِّدُهَا، هَلْ هِيَ عِدَّةُ حُرَّةٍ أَوْ أَمَةٍ وَأَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهَا تَعْتَدُّ عِدَّةَ أَمَةٍ، وَقَالَ لَوْ اعْتَدَّتْ عِدَّةَ حُرَّةٍ لَوَرِثَتْ ثُمَّ تَوَقَّفَ فِي ذَلِكَ، وَقَالَ دَخَلَنِي مِنْهُ شَيْءٌ. وَقَالَ مَرَّةً تَعْتَدُّ عِدَّةَ حُرَّةٍ اكْتِفَاءً بِالْحُرِّيَّةِ الْمُقَارِنَةِ لِوُجُوبِ الْعِدَّةِ وَلُزُومُ مُقَارَنَةِ الْعِلَّةِ لِلْمَعْلُولِ هُنَا أَظْهَرُ وَلَا يَلْزَمُ لِأَنَّ سَبَبَ الْعِدَّةِ الِاسْتِفْرَاشُ السَّابِقُ وَالْمَوْتُ شَرْطُهَا وَالْحُرِّيَّةُ شَرْطٌ لِلْعِدَّةِ بِالْأَشْهُرِ، وَمِنْ هَاهُنَا لَمْ يَلْزَمْ طَرْخَالَ لِأَنَّ سَبَبَهُ مُنْتَفٍ بِالْكُلِّيَّةِ وَهُوَ النِّكَاحُ وَالنَّسَبُ وَالْوَلَاءُ.
الْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ يَثْبُتُ وَإِنْ تَقَارَنَ الْحُكْمُ بِالدِّي الْمَانِعِ مِنْهُ فَهَلْ يَثْبُتُ الْحُكْمُ مَعَهُ فِيهِ وَجْهَانِ، وَاخْتَارَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ وَصَاحِبُ الْمُغْنِي أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ وَاخْتَارَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ وَفِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ أَنَّهُ يَثْبُتُ وَكَذَلِكَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي عُمَدِ الْأَدِلَّةِ وَأَبُو الْخَطَّابِ فَأَمَّا اقْتِرَانُ الْحُكْمِ وَالْمَنْعِ مِنْهُ فَيَنْدَرِجُ تَحْتَهُ مَسَائِلُ: مِنْهَا لَوْ قَالَ الزَّوْجُ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ انْقِضَاءِ عِدَّتِكِ، أَوْ قَالَ كُلَّمَا وَلَدْت وَلَدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَوَلَدَتْ وَلَدَيْنِ مُتَعَاقِبِينَ فَإِنَّهَا تَطْلُقُ بِالْأَوَّلِ وَتَنْقَضِي الْعِدَّةُ بِالثَّانِي، وَلَا تَطْلُقُ بِهِ كَمَا لَا تَطْلُقُ فِي قَوْلِهِ مَعَ انْقِضَاءِ عِدَّتِكِ، هَذَا الْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ وَعَلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ وَأَبُو حَفْصٍ وَالْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَالْخِلَافُ فِيهِ مَعَ ابْنِ حَامِدٍ وَحْدَهُ، وَفِي الْفُصُولِ يُشِيرُ إلَى أَنَّ مَأْخَذَ ابْنِ حَامِدٍ فِي مَسْأَلَةِ الْوِلَادَةِ الْقَوْلُ بِتَقَارُنِ الْعِلَّةِ وَمَعْلُولِهَا فَيَقَعُ الطَّلَاقُ فِي حَالِ الْوِلَادَةِ قَبْلَ الْبَيْنُونَةِ وَلَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْبَيْنُونَةَ مَعْلُولَةٌ لِلْوِلَادَةِ فَلَوْ اقْتَرَنَتْ الْعِلَّةُ وَمَعْلُولُهَا لَبَانَتْ مَعَ الْوِلَادَةِ أَيْضًا وَمِنْهَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ بَعْدَ مَوْتِي لَمْ تَطْلُقْ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، وَلَوْ قَالَ مَعَ مَوْتِي أَوْ مَوْتِك لَمْ تَطْلُقْ نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا لِأَنَّ الْمَوْتَ سَبَبُ الْبَيْنُونَةِ فَلَا يُجَامِعُهَا الطَّلَاقُ وَيَلْزَمُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ حَامِدٍ الْوُقُوعُ هَاهُنَا لِأَنَّهُ إذَا وَقَعَ الطَّلَاقُ مَعَ الْحُكْمِ بِالْبَيْنُونَةِ فَإِيقَاعُهُ مَعَ سَبَبِ الْحُكْمِ أَوْلَى وَيَلْزَمُ مِثْلَ ذَلِكَ الْقَاضِي وَمَنْ تَابَعَهُ عَلَى الْوُقُوعِ مَعَ سَبَبِ الِانْفِسَاخِ لِتَأَخُّرِ الِانْفِسَاخِ عَنْهُ وَلَمْ يَلْتَزِمُوا ذَلِكَ، وَادَّعَوْا هَاهُنَا الْمُقَارَنَةَ دُونَ السَّبْقِ وَلَا يَصِحُّ وَلَعَلَّ الْمَانِعَ مِنْ إيقَاعِ الطَّلَاقِ مَعَ الْمَوْتِ هُوَ عَدَمُ الْفَائِدَةِ فِيهِ بِخِلَافِ إيقَاعِهِ مَعَ الْبَيْنُونَةِ فِي الْحَيَاةِ فَإِنَّهُ يُفِيدُ التَّحْرِيمَ أَوْ نَقْصَ الْعَدَدِ وَمِنْهَا لَوْ قَالَ زَوْجُ الْأَمَةِ لَهَا إنْ مَلَكْتُك فَأَنْت طَالِقٌ ثُمَّ مَلَكَهَا لَمْ تَطْلُقْ، قَالَ الْأَصْحَابُ وَجْهًا وَاحِدًا، وَلَا يَصِحُّ لِأَنَّ ابْنَ حَامِدٍ يُلْزِمُهُ الْقَوْلَ هَاهُنَا الْقَوْلَ بِالْوُقُوعِ لِاقْتِرَانِهِ بِالِانْفِسَاخِ وَمِنْهَا لَوْ أَعْتِقَ الزَّوْجَانِ مَعًا وَقُلْنَا لَا خِيَارَ لِلْمُعْتَقَةِ تَحْتَ الْحُرِّ فَهَلْ يَثْبُتُ لَهَا الْخِيَارُ هَاهُنَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ مَنْصُوصَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ وَقَدْ اقْتَرَنَ هُنَا الْمُقْتَضَى وَهُوَ حُرِّيَّتُهَا وَالْمَانِعُ وَهُوَ حُرِّيَّتُهُ فَحَصَلَ الْحُكْمُ بِثُبُوتِ الْخِيَارِ مَعَ الْمَنْعِ مِنْهُ فَإِنْ قِيلَ يَشْكُلُ عَلَى مَا ذَكَرْتُمُوهُ مَسْأَلَتَانِ مَنْصُوصَتَانِ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: إحْدَاهُمَا إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ بِعْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ، ثُمَّ بَاعَهُ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ عَلَى الْبَائِعِ مِنْ مَالِهِ نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ فَقَدْ حَكَمَ بِوُقُوعِ الْعِتْقِ مَعَ وُجُودِ الْمَانِعِ مِنْهُ وَهُوَ انْتِقَالُ الْمِلْكِ وَهَذَا يَلْزَمُ مِنْهُ صِحَّةُ قَوْلِ ابْنِ حَامِدٍ وَطَرْدُهُ فِي إثْبَاتِ الْأَحْكَامِ مَعَ مُقَارَنَةِ الْمَنْعِ مِنْهَا، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا إنْ طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ يُطَلِّقُهَا فَيَنْبَغِي أَنْ تَطْلُقَ طَلْقَتَيْنِ، وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ إنْ فَسَخْت نِكَاحَكِ لِعَيْبٍ أَوْ نَحْوِهِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ إنْ خَالَعْتكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ. الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: إذَا مَاتَ الذِّمِّيُّ وَلَهُ أَطْفَالٌ صِغَارٌ حُكِمَ بِإِسْلَامِ الْوَلَدِ وَوَرِثَ مِنْهُ نَصَّ عَلَيْهِ وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ خِلَافُ ذَلِكَ حَتَّى أَنَّ مِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ أَنْكَرَ الْقَوْلَ بِعَدَمِ تَوْرِيثِهِ وَقَالَ هُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ وَيَلْزَمُ مِنْ تَوْرِيثِهِ إثْبَاتُ الْحُكْمِ الْمُقْتَرِنِ بِمَانِعِهِ، وَهَذَا لَا مَحِيدَ عَنْهُ. وَالْجَوَابُ أَمَّا عَلَى قَوْلِ ابْنِ حَامِدٍ فَهَذَا مُتَّجَهٌ لَا بُعْدَ فِيهِ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ بَارَكَتْ الْأَصْحَابِ فَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي تَخْرِيجِ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي مَسْأَلَةِ الْعِتْقِ عَلَى طُرُقٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِهِ بِأَنَّ الْمِلْكَ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ الْبَائِعِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ، فَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِ بِالِانْتِقَالِ وَهُوَ الصَّحِيحُ فَلَا يَعْتِقُ وَهَذِهِ طَرِيقَةُ أَبِي الْخَطَّابِ فِي انْتِصَارِهِ وَفِيهَا ضَعْفٌ فَإِنَّ نُصُوصَ أَحْمَدَ بِالْعِتْقِ هُنَا مُتَكَاثِرَةٌ وَرِوَايَةُ بَقَاءِ الْمِلْكِ لِلْبَائِعِ آخْ لَمْ تَكُنْ صَرِيحَةً عَنْ أَحْمَدَ بَلْ مُسْتَنْبَطَةٌ مِنْ كَلَامِهِ وَإِنَّمَا الْمَنْقُولُ الصَّرِيحُ عَنْهُ انْتِقَالُ الْمِلْكِ. وَالطَّرِيقُ الثَّانِي: أَنَّ عِتْقَهُ عَلَى الْبَائِعِ لِثُبُوتِ الْخِيَارِ لَهُ فَلَمْ تَنْقَطِعْ عُلَقُهُ عَنْ الْمَبِيعِ بَعْدُ وَهِيَ طَرِيقَةُ الْقَاضِي وَابْنِ عَقِيلٍ وَأَبِي الْخَطَّابِ وَأُورِدَ عَلَيْهِمْ أَنَّ تَصَرُّفَ الْبَائِعِ بِالْعِتْقِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ لَا يَنْفُذُ عَلَى الْمَنْصُوصِ فَأَجَابُوا بِأَنَّ هَذَا الْعِتْقَ أَنْشَأَهُ فِي مِلْكِهِ فَلِذَلِكَ نَفَذَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ بَعْدَ زَوَالِ مِلْكِهِ فَإِنَّ أَحْمَدَ قَالَ بِنُفُوذِ الْوَصِيَّةِ بَعْدَ الْمَوْتِ. وَقَالَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَاهَانَ يَعْتِقُ مِنْ مَالِ الْبَائِعِ قِيلَ لِأَنَّهُ خَلَفٌ عَنْ مِلْكٍ قَالَ نَعَمْ وَالطَّرِيقُ الثَّالِثُ أَنَّهُ يَعْتِقُ عَلَى الْبَائِعِ عَقِيبَ إيجَابِهِ وَقَبْلَ قَبُولِ الْمُشْتَرِي وَهِيَ طَرِيقَةُ ابْنِ أَبِي مُوسَى وَالسَّامِرِيِّ وَصَاحِبَيْ الْمُغْنِي وَالتَّلْخِيصِ لِأَنَّهُ إنَّمَا عَلَّقَهُ عَلَى بَيْعِهِ وَبَيْعُهُ الصَّادِرُ عَنْهُ هُوَ الْإِيجَابُ فَقَطْ، وَلِهَذَا يُسَمَّى بَائِعًا وَالْقَابِلُ مُشْتَرِيًا، وَيُقَالُ بَاعَ هَذَا وَاشْتَرَى هَذَا، وَإِنْ كَانَ الْعَقْدُ لَا يَنْعَقِدُ بِقَبُولِ الْمُشْتَرِي لَكِنَّ الْقَبُولَ شَرْطٌ مَحْضٌ لِانْعِقَادِ الْبَيْعِ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ مَاهِيَّتِهِ فَإِذَا وُجِدَ الْقَبُولُ تَبَيَّنَّا أَنَّهُ عَتَقَ الْبَائِعُ قَبْلَهُ فِي مِلْكِهِ قَبْلَ الِانْتِقَالِ وَفِي هَذِهِ [الطَّرِيقَةِ] أَيْضًا نَظَرٌ فَإِنَّ أَحْمَدَ نَصَّ عَلَى نُفُوذِهِ بَعْدَ زَوَالِ الْمِلْكِ وَلِأَنَّ الْبَيْعَ الْمُطْلَقَ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ الْمُنْعَقِدَ لَا صُورَةَ الْبَيْعِ الْمُجَرَّدَةِ وَالطَّرِيقُ الرَّابِعُ أَنَّهُ يُعْتَقُ عَلَى الْبَائِعِ فِي حَالَةِ انْتِقَالِ الْمِلْكِ إلَى الْمُشْتَرِي حَيْثُ يَتَرَتَّبُ عَلَى الْإِيجَابِ الْقَبُولُ وَانْتِقَالُ الْمِلْكِ وَثُبُوتُ الْعِتْقِ فَيَتَدَافَعَانِ وَيَنْفُذُ الْعِتْقُ لِقُوَّتِهِ وَسِرَايَتِهِ دُونَ انْتِقَالِ الْمِلْكِ وَهِيَ طَرِيقَةُ أَبِي الْخَطَّابِ فِي رُءُوسِ الْمَسَائِلِ وَيَشْهَدُ لَهَا تَشْبِيهُ أَحْمَدَ بِالْمُدَبِّرِ وَالْوَصِيَّةِ وَلَا يُقَالُ فِي الْمُدَبِّرِ وَالْوَصِيَّةِ لَا يَنْتَقِلُ إلَى [مَالِ] الْوَرَثَةِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ غَيْرِهِمْ بِهَا لِأَنَّهَا تَمْنَعُ ذَلِكَ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَنَقُولُ بَلْ يَنْتَقِلُ إلَيْهِمْ الْمَالُ الْمُوصَى بِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ تَعْلِيلِ أَحْمَدَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَإِنَّهُ قَالَ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ وَقَدْ قِيلَ لَهُ كَيْفَ يَعْتِقُ عَلَى الْبَائِعِ وَإِنَّمَا وَجَبَ الْعِتْقُ بَعْدَ الْبَيْعِ فَقَالَ لَوْ وَصَّى لَهُ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَمَاتَ يُعْطَاهَا وَإِنْ كَانَتْ وَجَبَ لَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَلَا مِلْكَ فَهَذَا مِثْلُهُ، وَنَقَلَ عَنْهُ صَالِحٌ نَحْوَ هَذَا الْمَعْنَى أَيْضًا وَعَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ فَيَنْفُذُ الْعِتْقُ مَعَ قِيَامِ الْمَانِعِ لَهُ لِقُوَّتِهِ وَسِرَايَتِهِ وَلَا يَلْزَمُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْعُقُودِ. وَالطَّرِيقُ الْخَامِسُ: أَنْ يُعْتَقَ بَعْدَ انْعِقَادِ الْبَيْعِ وَصِحَّتِهِ وَانْتِقَالِ الْمِلْكِ الْمَبِيعِ إلَى الْمُشْتَرِي ثُمَّ يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ بِالْعِتْقِ عَلَى الْبَائِعِ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ وَابْنُ عَقِيلٍ فِي عُمَدِهِ وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ وَتَشْبِيهُهُ بِالْوَصِيَّةِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْعَتَاقَ لِقُوَّتِهِ وَنُفُوذِهِ وَسِرَايَتِهِ إلَى مِلْكِ الْغَيْرِ يَنْفُذُ، وَإِنْ وُجِدَ أَحَدُ طَرَفَيْهِ فِي مِلْكٍ وَالْآخَرُ فِي غَيْرِ مِلْكٍ فَإِذَا عَقَدَهُ فِي غَيْرِ مِلْكٍ مُضَافًا إلَى وُجُودِ الْمِلْكِ صَحَّ الْمِلْكُ وَنَفَذَ فِي الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ فَكَذَا إذَا عَقَدَهُ فِي مِلْكٍ عَلَى نُفُوذِهِ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ فَإِنَّهُ يَنْفُذُ وَلِهَذَا نَقُولُ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ لَوْ قَالَ مَمْلُوكِي فُلَانٌ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي بِسَنَةٍ يَعْتِقُ كَمَا قَالَ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ زَوَالِ مِلْكِهِ وَانْتِقَالِهِ عَنْهُ، وَلَا يُقَالُ لَا يَنْتَقِلُ مِلْكُهُ مَعَ قِيَامِ الْوَصِيَّةِ لِأَنَّ ذَلِكَ مَمْنُوعٌ عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَا يَلْزَمُ مِثْلُ هَذَا فِي غَيْرِ الْعِتْقِ مِنْ الْعُقُودِ لِأَنَّهَا لَا تَسْرِي إلَى مِلْكِ الْغَيْرِ وَلَا عَهِدَ نُفُوذَهَا فِي غَيْرِ مِلْكٍ بِحَالٍ، وَخَرَّجَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى الْهِدَايَةِ وَجْهًا فِيمَا إذَا عَلَّقَ طَلَاقَهَا عَلَى خُلْعِهَا فَخَالَعَهَا أَنَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ كَمَا يَقَعُ الْعِتْقُ بَعْدَ الْبَيْعِ اللَّازِمِ، فَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ أَنَّهُ يَقَعُ مَعَ الْخُلْعِ فَهِيَ مَسْأَلَةُ ابْنِ حَامِدٍ فِي الْوُقُوعِ مَعَ الْبَيْنُونَةِ وَإِنْ أَرَادَ بَعْدَهُ فَمُشْكِلٌ، فَإِنَّ الطَّلَاقَ لَمْ يُعْهَدْ عِنْدَنَا وُقُوعُهُ فِي غَيْرِ مِلْكٍ وَسَلَكَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ طَرِيقَةً أُخْرَى فَقَالَ إنْ كَانَ الْمُعَلِّقُ لِلْعِتْقِ قَصْدُهُ الْيَمِينُ دُونَ التَّبَرُّرِ بِعِتْقِهِ أَجْزَأَهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ لِأَنَّهُ إذَا بَاعَهُ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ فَبَقِيَ كَنَذْرِهِ أَنْ يُعْتِقَ عَبْدَ غَيْرِهِ فَيُجْزِئُهُ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ قَصَدَ بِهِ التَّقَرُّبَ صَارَ عِتْقُهُ مُسْتَحَقًّا كَالنَّذْرِ [فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَيَكُونُ الْعِتْقُ مُعَلَّقًا عَلَى صُورَةِ الْبَيْعِ كَمَا] لَوْ قَالَ لِمَا لَا يَحِلُّ بَيْعُهُ إذَا بِعْته فَعَلَيَّ عِتْقُ رَقَبَةٍ أَوْ قَالَ لِأُمِّ وَلَدِهِ إنْ بِعْتُك فَأَنْتِ حُرَّةٌ وَطَرَدَ قَوْلَهُ هَذَا فِي تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ عَلَى الْفَسْخِ وَالْخُلْعِ فَجَعَلَهُ مُعَلَّقًا عَلَى صُورَةِ الْفَسْخِ وَالْخُلْعِ قَالَ وَلَوْ قِيلَ بِانْعِقَادِ الْفَسْخِ وَالْخُلْعِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ فَلَا يُمْنَعُ وُقُوعَ الطَّلَاقِ مَعَهُ عَلَى رَأْيِ ابْنِ حَامِدٍ حَيْثُ أَوْقَعَهُ مَعَ الْبَيْنُونَةِ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَكَذَا بِالْفَسْخِ [وَاَللَّهُ أَعْلَمُ]. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْمِيرَاثِ فَلَا رَيْبَ أَنَّ أَحْمَدَ نَصَّ عَلَى تَوْرِيثِ الطِّفْلِ مِنْ أَبِيهِ الْكَافِرِ وَالْحُكْمِ بِإِسْلَامِهِ بِمَوْتِهِ وَخَرَّجَهُ مَنْ خَرَّجَهُ مِنْ الْأَصْحَابِ كَصَاحِبِ الْمُغْنِي عَلَى أَنَّ الْمَانِعَ لَمْ يَتَقَدَّمْ الْحُكْمُ بِالْإِرْثِ وَإِنَّمَا قَارَنَهُ وَهَذَا يَرْجِعُ إلَى ثُبُوتِ الْحُكْمِ مَعَ مُقَارَنَةِ الْمَانِعِ [لَهُ] لِأَنَّ الْإِسْلَامَ سَبَبُ الْمَنْعِ، وَالْمَنْعُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ وَالْحُكْمُ بِالتَّوْرِيثِ سَابِقٌ عَلَى الْمَنْعِ لِاقْتِرَانِهِ بِسَبَبِهِ. وَأَمَّا اقْتِرَانُ الْحُكْمِ وَالْمَانِعِ فَلَهُ صُوَرٌ: مِنْهَا تَوْرِيثُ الطِّفْلِ الْمَحْكُومِ بِإِسْلَامِهِ بِمَوْتِ أَحَدِ أَبَوَيْهِ الْكَافِرَيْنِ مِنْهُ وَقَدْ ذُكِرَتْ وَمِنْهَا إذَا قَتَلَتْ أُمُّ الْوَلَدِ سَيِّدَهَا فَإِنَّهُ يَلْزَمُهَا أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَتِهَا أَوْ الدِّيَةِ نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ الْأَصْحَابُ سَوَاءٌ قُلْنَا إنَّ الدِّيَةَ تَحْدُثُ عَلَى مِلْكِ الْوَرَثَةِ ابْتِدَاءً أَوْ عَلَى مِلْكِ الْمُوَرِّثِ أَوَّلًا؛ لِأَنَّا إنْ قُلْنَا تَحْدُثُ عَلَى مِلْكِ الْوَرَثَةِ فَقَدْ اقْتَرَنَ الضَّمَانُ بِالْحُرِّيَّةِ وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ الضَّمَانُ هُنَا بِالدِّيَةِ مُطْلَقًا اكْتِفَاءً بِمُقَارَنَةِ الشَّرْطِ لِلْحُكْمِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ هُنَا فِي الضَّمَانِ بِحَالَةِ الْجِنَايَةِ وَهِيَ حِينَئِذٍ رَقِيقَةٌ فَلَا يَلْزَمُهَا أَكْثَرُ مِنْ ضَمَانِ جِنَايَةِ الرَّقِيقِ وَلَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ مُقَارَنَةُ الْحُرِّيَّةِ بِحَالَةِ وُجُوبِ الضَّمَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَانِعَ إذَا اقْتَرَنَ بِالْحُكْمِ لَمْ يَمْنَعْهُ وَإِنْ قُلْنَا إنَّ الدِّيَةَ تَحْدُثُ عَلَى مِلْكِ الْمَقْتُولِ أَوَّلًا فَقَدْ وَجَبَ لَهُ ذَلِكَ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ حَيَاتِهِ، وَهِيَ إذْ ذَاكَ رَقِيقَةٌ فَسَبَقَ وَقْتُ وُجُوبِ الضَّمَانِ وَقْتَ الْحُرِّيَّةِ، وَإِنَّمَا وَجَبَ الضَّمَانُ هُنَا لِلسَّيِّدِ وَإِنْ كَانَ السَّيِّدُ لَا يَجِبُ لَهُ الضَّمَانُ عَلَى رَقِيقِهِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْوَرَثَةِ بِمَالِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَصَارَ كَالْوَاجِبِ لَهَا ابْتِدَاءً، وَلِهَذَا كَانُوا هُمْ الْمُطَالَبِينَ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَمِنْهَا إذَا تَزَوَّجَ الْعَادِمُ لِلطَّوْلِ الْخَائِفُ لِلْعَنَتِ فِي عَقْدٍ حُرَّةً وَأَمَةً فَهَلْ يَصِحُّ نِكَاحُ الْأَمَةِ مَعَ الْحُرَّةِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ وَمِنْهَا إذَا قَالَ الْمُتَزَوِّجُ بِأَمَةِ أَبِيهِ: إذَا مَاتَ أَبِي فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ فَهَلْ يَقَعُ الطَّلَاقُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: يَقَعُ، وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ وَالْخِلَافِ وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْعُمَدِ وَاخْتِيَارُ أَبِي الْخَطَّابِ لِأَنَّ الْمَوْتَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ [وُقُوعُ] الطَّلَاقِ وَالْمِلْكِ [وَالْمِلْكُ] سَبَبُ انْفِسَاخِ النِّكَاحِ فَقَدْ سَبَقَ نُفُوذُ الطَّلَاقِ وُقُوعَ الْفَسْخِ فَنَفَذَ. وَالثَّانِي: لَا يَقَعُ وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ قَارَنَ الْمَانِعَ وَهُوَ الْمِلْكُ فَلَمْ يَنْفُذْ. وَمِنْهَا إذَا تَزَوَّجَ أَمَةً ثُمَّ قَالَ لَهَا إنْ اشْتَرَيْتُك فَأَنْت طَالِقٌ وَفِيهِ الْوَجْهَانِ إنْ قُلْنَا يَنْتَقِلُ الْمِلْكُ مَعَ الْخِيَارِ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَإِنْ قُلْنَا لَا يَنْتَقِلُ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَجْهًا وَاحِدًا كَذَا ا ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَفِي خِلَافِ الْقَاضِي إذَا حَلَفَ لَا يَبِيعُ فَبَاعَ بِشَرْطِ [الْخِيَارِ] هَلْ يَحْنَثُ أَنَّ ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى نَقْلِ الْمِلْكِ وَعَدَمِهِ فَقِيَاسُ قَوْلِهِ إنَّهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ هُنَا فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ إذَا قُلْنَا لَا يَنْتَقِلُ الْمِلْكُ فِيهَا وَأَنْكَرَ ذَلِكَ الشَّيْخُ مَجْدُ الدِّينِ وَقَالَ يَحْنَثُ بِكُلِّ حَالٍ لِأَنَّ الْبَيْعَ قَدْ وُجِدَ. وَمِنْهَا إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا إنْ كَلَّمْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ أَعَادَهُ فَإِنَّهَا تَطْلُقُ بِالْإِعَادَةِ لِأَنَّهُ كَلَامٌ فِي الْمَشْهُورِ عِنْدَ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي عُمَدِ الْأَدِلَّةِ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ عِنْدِي أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِهَذَا الْكَلَامِ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ الْيَمِينِ الْأُولَى وَمُؤَكِّدٌ لَهَا، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ أَذَاهَا وَهَجْرُهَا وَإِضْرَارُهَا بِتَرْكِ كَلَامِهَا وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الْإِعَادَةِ مَا يُنَافِي ذَلِكَ فَلَا يَحْنَثُ بِهِ وَهَذَا أَقْوَى وَالتَّفْرِيعُ عَلَى الْمَشْهُورِ فَإِذَا وَقَعَ الطَّلَاقُ بِالْإِعَادَةِ ثَانِيًا فَهَلْ يَنْعَقِدُ بِهِ يَمِينٌ ثَانِيَةٌ أَمْ لَا؟ فِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: لَا يَنْعَقِدُ وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ وَالْخِلَافِ وَمَنْ اتَّبَعَهُ كَالْقَاضِي يَعْقُوبَ وَابْنِ عَقِيلٍ وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ صَاحِبِ الْمُغْنِي وَلَهُ مَأْخَذَانِ: أَحَدُهُمَا: وَهُوَ مَأْخَذُ الْقَاضِي وَمَنْ اتَّبَعَهُ أَنَّ الْكَلَامَ يَحْصُلُ بِالشُّرُوعِ فِي الْإِعَادَةِ قَبْلَ إتْمَامِهَا فَيَقَعُ الطَّلَاقُ قَبْلَ إتْمَامِ الْإِعَادَةِ فَلَا يَنْعَقِدُ لِأَنَّ تَمَامَ الْيَمِينِ حَصَلَ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ. وَالثَّانِي: وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُغْنِي فِي نَظِيرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الطَّلَاقَ وَإِنْ وَقَفَ وُقُوعُهُ إلَى مَا بَعْدَ إنْهَاءِ الْإِعَادَةِ إلَّا أَنَّ الْإِعَادَةَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا الْبَيْنُونَةُ فَيَقَعُ انْعِقَادُ الْيَمِينِ مَعَ الْبَيْنُونَةِ فَيَخْرُجُ عَلَى الْخِلَافِ فِي ثُبُوتِ الْحُكْمِ مَعَ الْمَانِعِ أَوْ مَعَ سَبَبِهِ وَالْأَصَحُّ عِنْدَهُ عَدَمُهُ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ وَهُوَ اخْتِيَارُ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ يَقِفُ وُقُوعُهُ عَلَى تَمَامِ الْإِعَادَةِ لِأَنَّ الْكَلَامَ الْمُطْلَقَ إنَّمَا يَنْصَرِفُ إلَى الْمُقَيَّدِ وَلَا تَحْصُلُ الْإِفَادَةُ بِدُونِ ذِكْرِ جُمْلَةِ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ فَيَقِفُ الطَّلَاقُ عَلَيْهِمَا وَيَقَعُ عَقِيبُهُمَا لِأَنَّهُمَا شَرْطٌ لِوُقُوعِهِ وَأَمَّا الْيَمِينُ فَوُجِدَتْ مَعَ شَرْطِ الطَّلَاقِ فَسَبَقَتْ وُقُوعُهُ. يُوَضِّحُهُ أَنَّ الْيَمِينَ هِيَ اللَّفْظُ الْمُجَرَّدُ وَهُوَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ فَإِذَا قَالَ إنْ كَلَّمْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَهُوَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ إنْ حَلَفْتُ يَمِينًا بِطَلَاقِك عَلَى كَلَامِك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَتَبَيَّنَ أَنَّ وُجُودَ الْيَمِينِ سَابِقَةٌ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ وَمِنْهَا إذَا قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ وَإِحْدَاهُمَا غَيْرُ مَدْخُولِ بِهَا إنْ حَلَفْتُ بِطَلَاقِكُمَا فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ ثُمَّ قَالَهُ ثَانِيًا فَإِنَّهُمَا يُطَلَّقَانِ طَلْقَةً [طَلْقَةً] عَلَى الْمَذْهَبِ الْمَشْهُورِ وَانْعَقَدَتْ الْيَمِينُ مَرَّةً ثَانِيَةً فِي حَقِّ الْمَدْخُولِ بِهَا. وَأَمَّا فِي حَقِّ الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَفِي انْعِقَادِهَا وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا تَنْعَقِدُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْخَطَّابِ وَصَاحِبِ الْمُحَرَّرِ وَمُقْتَضَى مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا لِأَنَّ الْيَمِينَ سَبَبُ الْبَيْنُونَةِ وَوُجِدَتْ مَعَ شَرْطِ الطَّلَاقِ لَا مَعَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ. وَالثَّانِي: لَا يَنْعَقِدُ وَهُوَ اخْتِيَارُ صَاحِبِ الْمُغْنِي غَيْرَ أَنَّهُ وَقَعَ فِي النَّسْخِ خَلَلٌ فِي تَعْلِيلِهِ؛ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْيَمِينَ وَإِنْ وُجِدَتْ مَعَ شَرْطِ الطَّلَاقِ لَكِنَّ انْعِقَادَهَا مُفَارِقٌ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ فَلَمْ يَنْعَقِدْ لِاقْتِرَانِهِ بِمَا يَمْنَعُهُ، فَإِنْ أَعَادَهُ ثَالِثًا قَبْلَ أَنْ يُجَدِّدَ نِكَاحَ الْبَائِنِ لَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا عَلَى الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّ الْحَلِفَ بِطَلَاقِ الْبَائِنِ لَا يُمْكِنُ فَإِنْ عَادَ وَتَزَوَّجَ الْبَائِنَ ثُمَّ حَلَفَ بِطَلَاقِهَا وَحْدَهَا فَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي لَا تَطْلُقُ لِأَنَّ الْيَمِينَ الثَّانِيَة لَمْ تَنْعَقِدْ بِحَقِّهَا وَتَطْلُقُ الْأُخْرَى طَلْقَةً لِوُجُودِ الْحَلِفِ بِطَلَاقِهَا قَبْلَ نِكَاحِ الثَّانِيَة وَالْحَلِفُ بِطَلَاقِ الثَّانِيَة بَعْدَ نِكَاحِهَا فَكَمُلَ الشَّرْطُ فِي حَقِّ الْأُولَى. وَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ تَطْلُقُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا طَلْقَةً طَلْقَةً لِأَنَّ الصِّفَةَ الثَّانِيَة مُنْعَقِدَةٌ فِي حَقِّهِمَا جَمِيعًا كَذَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ وَأُورِدَ عَلَيْهِ أَنَّ طَلَاقَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مُعَلَّقٌ بِشَرْطِ الْحَلِفِ بِطَلَاقِهَا مَعَ طَلَاقِ الْأُخْرَى فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْحَلِفَيْنِ جُزْءُ عِلَّةٍ لِطَلَاقِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، فَكَمَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْحَلِفِ بِطَلَاقِهَا فِي زَمَنٍ يَكُونُ فِيهِ أَهْلًا لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ كَذَلِكَ الْحَلِفُ بِطَلَاقِ ضَرَّتِهَا لِأَنَّهُ جُزْءُ عِلَّةٍ لِطَلَاقِ نَفْسِهَا وَمِنْ تَمَامِ شَرْطِهِ فَكَيْفَ يَقَعُ بِهَذِهِ الَّتِي جَدَّدَ نِكَاحَهَا الطَّلَاقُ وَإِنَّمَا حَلَفَ بِطَلَاقِ ضَرَّتِهَا وَهِيَ بَائِنٌ؟ وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ وُجُودَ الصِّفَةِ كُلِّهَا فِي النِّكَاحِ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ، وَيَكْفِي وُجُودُ آخِرِهَا فِيهِ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ عَقِيبَهُ، وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى الْهِدَايَةِ أَنَّ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ سَوَاءٌ قُلْنَا يَكْفِي فِي الْحِنْثِ وُجُودُ بَعْضِ الصِّفَةِ أَمْ لَا، نَعَمْ إنْ قُلْنَا يَكْفِي وُجُودُ بَعْضِهَا وَقَدْ وُجِدَ حَالَ الْبَيْنُونَةِ انْبَنَى عَلَى أَنَّ الْخِلَافَ فِي حِلِّ الْيَمِينِ بِالصِّفَةِ الْمَوْجُودَةِ حَالَ الْبَيْنُونَةِ انْتَهَى. وَعِنْدِي أَنَّ هَذَا قَدْ يَتَخَرَّجُ عَلَى خِلَافِ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي أَنَّ الْيَمِينَ لَا تَنْحَلُّ بِوُجُودِ الصِّفَةِ حَالَ الْبَيْنُونَةِ فَإِنْ قُلْنَا إنَّهَا مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ عُمُومِ كَلَامِهِ بِقَرِينَةِ الْحَالِ فَوُجُودُ بَعْضِهَا حَالَ الْبَيْنُونَةِ لَا عِبْرَةَ لَهُ أَيْضًا كَوُجُودِ جَمِيعِهَا، وَإِنْ قُلْنَا إنَّ الْيَمِينَ لَا تَنْحَلُّ بِدُونِ الْحِنْثِ فِيهَا اُكْتُفِيَ بِوُجُودِ آخِرِهَا فِي النِّكَاحِ لِإِمْكَانِ الْحِنْثِ فِيهِ عَلَى أَنَّ الِاكْتِفَاءَ بِوُجُودِ بَعْضِ الصِّفَةِ حَالَ الْبَيْنُونَةِ وَبَعْضِهَا فِي النِّكَاحِ مَعَ قَوْلِنَا لَا يُكْتَفَى بِوُجُودِ بَعْضِ الصِّفَةِ فِي الطَّلَاقِ وَقَوْلِنَا إنَّ الصِّفَةَ الْمَوْجُودَةِ حَالَ الْبَيْنُونَةِ لَا تَنْحَلُّ بِهَا الْيَمِينُ لَا يَخْلُو عَنْ إشْكَالٍ [وَنَظَرٍ] وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَمِنْهَا إذَا اشْتَرَى مَرِيضٌ أَبَاهُ بِثَمَنٍ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ وَهُوَ تِسْعَةُ دَنَانِيرَ وَقِيمَةُ الْأَبِ سِتَّةٌ فَقَدْ حَصَلَ مِنْهَا عَطِيَّتَانِ مِنْ عَطَايَا الْمَرِيضِ مُحَابَاةُ الْبَائِعِ بِثُلُثِ الْمَالِ وَعِتْقُ الْأَبِ إذَا قُلْنَا إنَّ عِتْقَهُ مِنْ الثُّلُثِ وَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي فِي الْمُحَرَّرِ وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ يَتَحَاصَّانِ لِأَنَّ مِلْكَ الْمَرِيضِ لِأَبِيهِ مُقَارِنٌ لِمِلْكِ الْمُشْتَرِي لِثَمَنِهِ وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا عَطِيَّةٌ مُنْجَزَةٌ فَتَحَاصًّا لِتَقَارُنِهِمَا وَالثَّانِي أَنَّهُ تَنْفُذُ الْمُحَابَاةُ وَلَا يُعْتَقُ الْأَبُ وَهُوَ اخْتِيَارُ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ لِأَنَّ الْمُحَابَاةَ سَابِقَةٌ لِعِتْقِ الْأَبِ فَإِنَّ مَلَكَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ الَّذِي وَقَعَتْ الْمُحَابَاةُ فِيهِ وَقَعَ مُقَارِنًا لِمِلْكِ الْأَبِ، وَعِتْقُهُ يَتَرَتَّبُ عَلَى مِلْكِهِ وَلَمْ يُقَارِنْهُ فَقَدْ قَارَنَتْ الْمُحَابَاةُ شَرْطَ عِتْقِ الْأَبِ لَا عِتْقُهُ فَنَفَذَتْ كَسَبَقِهَا. وَمِنْهَا لَوْ أَصْدَقَهَا مِائَةَ دِرْهَمٍ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ عَلَى خَمْسِينَ مِنْ الْمَهْرِ فَهَلْ تَسْتَحِقُّ جَمِيعَ الْمَهْرِ أَوْ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا تَسْتَحِقُّهُ كُلَّهُ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ عِوَضًا عَنْ الطَّلَاقِ خَمْسِينَ وَرَجَعَ إلَيْهِ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ النِّصْفُ الْبَاقِي وَالثَّانِي تَسْتَحِقُّ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِهِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ يَنْتَصِفُ بِهِ الْمَهْرُ وَيَصِيرُ مُشَاعًا بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ فَلَا يَسْتَحِقُّ مِنْ الْخَمْسِينَ الْمُخَالَعِ بِهَا إلَّا نِصْفَهَا، فَلَا يُسَلَّمُ لِلزَّوْجِ عِوَضًا عَنْ طَلَاقِهِ إلَّا نِصْفُ الْخَمْسِينَ وَيَرْجِعُ إلَيْهِ بِالطَّلَاقِ النِّصْفُ. وَمَنْ نَصَرَ الْوَجْهَ الْأَوَّلَ قَالَ تَنَصُّفُ الْمَهْرِ يَتَرَتَّبُ عَلَى الْخُلْعِ لَا يُفَارِقُهُ فَقَدْ مَلَكَ الْخَمْسِينَ كُلَّهَا قَبْلَ التَّنْصِيفِ، لَكِنَّ مِلْكَهُ لَهَا قَارَنَ سَبَبَ التَّنْصِيفِ وَهُوَ الْبَيْنُونَةُ فَهَذَا مَأْخَذُ الْوَجْهَيْنِ، وَلِلْمَسْأَلَةِ مَأْخَذٌ آخَرُ عَلَى تَقْدِيرِ التَّنَصُّفِ قَبْلَ الْمِلْكِ وَهُوَ أَنْ يُخَالِعَهَا لِخَمْسِينَ مِنْ الْمَهْرِ مَعَ عِلْمِهَا بِأَنَّ الْمَهْرَ يَنْتَصِفُ بِالْمُخَالَعَةِ هَلْ يَتَنَزَّلُ عَلَى خَمْسِينَ مُبْهَمَةٍ مِنْهُ أَوْ عَلَى الْخَمْسِينَ الَّتِي يَسْتَقِرُّ لَهَا بِالطَّلَاقِ؟ وَفِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهَانِ، وَعَلَيْهِمَا يَتَنَزَّلُ الْوَجْهَانِ فِيمَا إذَا بَاعَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نِصْفَ السِّلْعَةِ الْمُشْتَرَكَةِ هَلْ يَنْزِلُ الْبَيْعُ عَلَى نِصْفٍ مُشَاعٍ وَإِنَّمَا لَهُ فِيهِ نِصْفُهُ وَهُوَ الرُّبُعُ أَوْ عَلَى النِّصْفِ الَّذِي يَخُصُّهُ بِمِلْكِهِ وَكَذَلِكَ فِي الْوَصِيَّةِ وَغَيْرِهَا وَاخْتِيَارُ الْقَاضِي أَنَّهُ يَتَنَزَّلُ عَلَى النِّصْفِ الَّذِي يَخُصُّهُ كُلَّهُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَهُ أَشْرَكْتُك فِي نِصْفِهِ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ سِوَى النِّصْفِ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ مِنْهُ الرُّبُعَ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ تَقْتَضِي التَّسَاوِيَ فِي الْمِلْكَيْنِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ. وَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُ النِّصْفِ حَتَّى يَقُولَ نَصِيبِي فَإِنْ أَطْلَقَ تَنَزَّلَ عَلَى الرُّبُعِ. وَمِنْهَا إذَا تَزَوَّجَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ بِمَهْرٍ يَزِيدُ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ فَفِي الْمُحَابَاةِ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنَّهَا مَوْقُوفَةٌ عَلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ لِأَنَّهَا عَطِيَّةُ الْوَارِثِ وَالثَّانِيَة تَنْفُذُ مِنْ الثُّلُثِ نَقَلَهَا الْمَرُّوذِيّ وَالْأَثْرَمُ وَصَالِحٌ وَابْنُ مَنْصُورٍ وَالْفَضْلُ بْنُ زِيَادٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَأْخَذُهُ أَنَّ الْإِرْثَ الْمُقَارِنَ لِلْعَطِيَّةِ لَا يَمْنَعُ نُفُوذَهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الزَّوْجَةَ مِلْكُهَا فِي حَالِ مِلْكِ الزَّوْجِ الْبُضْعَ وَثُبُوتُ الْإِرْثِ مُتَرَتِّبٌ عَلَى ذَلِكَ وَكَذَلِكَ نَصَّ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ فِيمَنْ أَقَرَّ لِزَوْجَتِهِ فِي مَرَضِهِ بِمَهْرٍ يَزِيد عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ أَنَّ الزِّيَادَةَ تَكُونُ مِنْ الثُّلُثِ وَوَجَّهَهُ الْقَاضِي بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ التَّرْتِيبِ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ تَبَيَّنَ بِهِ أَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ كَانَ بِالْعَقْدِ وَهَذَا كُلُّهُ يَرْجِعُ إلَى أَنَّ الْعَطِيَّةَ وَالْوَصِيَّةَ لِمَنْ يَصِيرُ وَارِثًا يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ وَهُوَ خِلَافُ الْمَذْهَبِ الْمَعْرُوفِ لَكِنْ قَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْوَارِثُ نَسِيبًا أَوْ زَوْجًا كَمَا فَرَّقَ الْقَاضِي فِي كِتَابِ الْوَصَايَا مِنْ خِلَافِهِ بَيْنَهُمَا فِي مَسْأَلَةِ الْإِقْرَارِ لِأَنَّ النَّسَبَ سَبَبٌ إرْثُهُ قَائِمٌ حَالَ الْوَصِيَّةِ بِخِلَافِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ وَفِيمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي تَوْجِيهِ أَبِي طَالِبٍ نَظَرٌ فَإِنَّ أَحْمَدَ لَوْ اعْتَبَرَ حَالَةَ الْعَقْدِ لَمَا جَعَلَهُ مِنْ الثُّلُثِ، وَإِنَّمَا يَتَخَرَّجُ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ رِوَايَةٌ عَنْهُ بِأَنَّ إقْرَارَ الْمَرِيضِ لِوَارِثِهِ مُعْتَبَرٌ مِنْ الثُّلُثِ وَاَللَّه أَعْلَمُ.
هَذَا عِدَّةُ أَنْوَاعٍ: أَحَدُهَا أَلَّا يَتَعَلَّقَ بِهِ حُكْمُ الِامْتِنَاعِ بِالْكُلِّيَّةِ إلَّا وَهُوَ مُتَلَبِّسٌ بِهِ فَلَا يَكُونُ نَزْعُهُ فِعْلًا لِلْمَمْنُوعِ مِنْهُ. فَمِنْ ذَلِكَ إذَا حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا وَهُوَ لَابِسُهُ، أَوْ لَا يَرْكَبُ دَابَّةً وَهُوَ رَاكِبُهَا، أَوْ لَا يَدْخُلُ دَارًا وَهُوَ فِيهَا، وَقُلْنَا إنَّ الِاسْتِدَامَةَ كَالِابْتِدَاءِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْأَفْعَالِ فَخَلَعَ الثَّوْبَ وَنَزَلَ عَنْ الدَّابَّةِ وَخَرَجَ مِنْ الدَّارِ فِي أَوَّلِ أَوْقَاتِ الْإِمْكَانِ، فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الْيَمِينَ تَقْتَضِي الْكَفَّ فِي الْمُسْتَقْبَلِ دُونَ الْمَاضِي وَالْحَالِ فَيَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ بِأَوَّلِ أَوْقَاتِ الْإِمْكَانِ، وَمِنْهُ مَا إذَا أَحْرَمَ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ فَإِنَّهُ يَنْزِعُهُ فِي الْحَالِ وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ إنَّمَا تَتَرَتَّبُ عَلَى الْمُحْرِمِ لَا عَلَى الْمُحِلِّ وَلَا يُقَالُ إنَّهُ بِإِقْدَامِهِ عَلَى إنْشَاءِ الْإِحْرَامِ وَهُوَ مُتَلَبِّسٌ بِمَحْظُورَاتِهِ مُنْتَسِبٌ إلَى مُصَاحَبَةِ اللُّبْسِ فِي الْإِحْرَامِ كَمَا لَا يُقَالُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْحَالِفِ وَالنَّاذِرِ فَإِنَّهُ كَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ لَا يَحْلِفَ وَلَا يَنْذِرَ حَتَّى يَتْرُكَ التَّلَبُّسَ بِمَا يَحْلِفُ عَلَيْهِ، وَمِنْهُ مَا إذَا فَعَلَ فِعْلًا مُحَرَّمًا جَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا ثُمَّ ذَكَرَ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ قَطْعُهُ فِي الْحَالِ وَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَحْكَامُ أَنْصَاصًا لَهُ. النَّوْعُ الثَّانِي أَنْ يَمْنَعَهُ الشَّارِعُ مِنْ الْفِعْلِ فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ وَيَعْلَمَ بِالْمَنْعِ وَلَكِنْ لَا يَسْتَقِرُّ بِوَقْتِ الْمَنْعِ حَتَّى يَتَلَبَّسَ بِالْفِعْلِ فَيُقْلِعَ عَنْهُ فِي الْحَالِ. فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حُكْمُ الْفِعْلِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ بَلْ يَكُونُ إقْلَاعُهُ تَرْكًا لِلْفِعْلِ لِأَنَّ ابْتِدَاءَهُ كَانَ مُبَاحًا حَيْثُ وَقَعَ قَبْلَ وَقْتِ التَّحْرِيمِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي حَفْصٍ الْعُكْبَرِيِّ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الْفَاعِلِ بِتَرْكِهِ لِإِقْدَامِهِ عَلَى الْفِعْلِ مَعَ عِلْمِهِ بِتَحْرِيمِهِ فِي وَقْتِهِ لَاسِيَّمَا مَعَ قُرْبِ الْوَقْتِ [وَهَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ]. مِنْ صُوَرِ الْمَسْأَلَةِ مَا إذَا جَامَعَ فِي لَيْلِ رَمَضَانَ فَأَدْرَكَهُ الْفَجْرُ وَهُوَ مُجَامِعٌ فَنَزَعَ فِي الْحَالِ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يُفْطِرُ بِذَلِكَ وَفِي الْكَفَّارَةِ رِوَايَتَانِ وَاخْتَارَ أَبُو حَفْصٍ أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا يَأْثَمُ إذَا كَانَ حَالَ الِابْتِدَاءِ مُتَيَقِّنًا لِبَقَاءِ اللَّيْلِ وَيَبْنِي بَعْضُ الْأَصْحَابِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى أَصْلٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ النَّزْعَ هَلْ هُوَ جُزْءٌ مِنْ الْجِمَاعِ أَوْ لَيْسَ مِنْ الْجِمَاعِ وَحَكَى فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَيْنِ وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ تَطَوُّعًا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَلَا بِالْأَكْلِ وَلَا بِغَيْرِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمُ وُجُوبِ الْإِمْسَاكِ عَنْ الْمُفْطِرَاتِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ فَلَا يَكُونُ الْوَاقِعُ مِنْهَا فِي حَالَةِ الطُّلُوعِ مُحَرَّمًا أَلْبَتَّةَ كَمَا قُلْنَا فِي مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ إنَّهَا إنَّمَا تَثْبُتُ بَعْدَ التَّلَبُّسِ بِهِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ إذَا شَكَّ فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ فَإِنَّهُ يَأْكُلُ حَتَّى لَا يَشُكَّ أَنَّهُ طَلَعَ وَفِي الْمَسْأَلَةِ أَحَادِيثُ وَآثَارٌ كَثِيرَةٌ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَمِنْهَا إذَا وَطِئَ امْرَأَتَهُ فَحَاضَتْ فِي أَثْنَاءِ الْوَطْءِ فَنَزَعَ هَلْ يَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ إذَا قُلْنَا يَلْزَمُ الْمَعْذُورُ فَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ خَرَّجَهَا عَلَى النَّزْعِ هَلْ هُوَ جِمَاعٌ أَمْ تَرْكٌ لِلْجِمَاعِ، وَمِنْهُمْ مَنْ خَرَّجَهَا عَلَى مَسْأَلَةِ الصَّوْمِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ إنْ كَانَ يَعْلَمُ بِمُقْتَضَى الْعَادَةِ قُرْبَ وَقْتِ حَيْضِهَا ثُمَّ وَطِئَ وَهُوَ يَخْشَى مُفَاجَأَةَ الْحَيْضِ هُوَ شَبِيهٌ بِمَسْأَلَةِ الصَّوْمِ وَإِلَّا فَلَا كَفَّارَةَ لِأَنَّهُ إنَّمَا تَعَلَّقَ بِهِ الْمَنْعُ بَعْدَ وُجُودِ الْحَيْضِ وَقَدْ تَرَكَ الْوَطْءَ حِينَئِذٍ وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فِي الْوَطْءِ فِي لَيْلِ الصِّيَامِ إنَّهُ إنْ ظَنَّ بَقَاءَ اللَّيْلِ وَأَنَّهُ فِي مُهْلَةٍ مِنْهُ لَمْ يُفْطِرْ وَإِنْ خَشِيَ مُفَاجَأَةَ الْفَجْرِ أَفْطَرَ لِأَنَّهُ أَقْدَمَ عَلَى مَكْرُوهٍ أَوْ مُحَرَّمٍ ابْتِدَاءً. النَّوْعُ الثَّالِثُ أَنْ يَعْلَمَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي فِعْلٍ أَنَّهُ إذَا شَرَعَ فِيهِ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ تَحْرِيمُهُ وَهُوَ مُتَلَبِّسٌ بِهِ، فَهَلْ يُبَاحُ لَهُ الْإِقْدَامُ عَلَى ذَلِكَ الْفِعْلِ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ لَمْ يَثْبُتْ حِينَئِذٍ أَمْ لَا يُبَاحُ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ إتْمَامَهُ يَقَعُ حَرَامًا فِيهِ لِأَصْحَابِنَا قَوْلَانِ، وَمِثَالُ ذَلِكَ: أَنْ يَقُولَ لِزَوْجَتِهِ إنْ وَطِئْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا أَوْ فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي وَمِثْلُ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ مَتَى أَوْلَجَ فِي هَذَا الْوَقْتِ طَلَعَ عَلَيْهِ الْفَجْرُ وَهُوَ مُولِجٌ فَحَكَى الْأَصْحَابُ فِي مَسْأَلَةِ الطَّلَاقِ وَالظِّهَارِ رِوَايَتَيْنِ بَنَوْهُمَا عَلَى أَنَّ النَّزْعَ هَلْ هُوَ جِمَاعٌ أَوْ لَيْسَ بِجِمَاعٍ وَرَجَّحَ صَاحِبُ الْمُغْنِي التَّحْرِيمَ فِي مَسْأَلَةِ الطَّلَاقِ وَالظِّهَارِ عَلَى كِلَا الْقَوْلَيْنِ لِأَنَّهُ اسْتِمْتَاعٌ بِأَجْنَبِيَّةٍ وَهُوَ حَرَامٌ وَلَوْ كَانَ لَمَسَ بَدَنَهَا لِشَهْوَةٍ فَلَمْسُ الْفَرْجِ بِالْفَرْجِ أَوْلَى بِخِلَافِ الصَّائِمِ فَإِنَّهُ لَا يُفْطِرُ بِالْوَطْءِ وَيُمْكِنُ مَنْعُ كَوْنِ النَّوْعِ وَطْئًا. قَالَ: فَإِنْ قِيلَ هَذَا إنَّمَا يَحْصُلُ ضَرُورَةً تَرَكَ الْوَطْءَ الْحَرَامَ قُلْنَا فَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْوَطْءُ إلَّا بِفِعْلٍ مُحَرَّمٍ ضَرُورَةً وَهُوَ تَرْكُ الْحَرَامِ كَمَا لَوْ اخْتَلَطَ لَحْمُ الْخِنْزِيرِ بِلَحْمٍ مُبَاحٍ لَا يُمْكِنُهُ أَكْلُهُ إلَّا بِأَكْلِ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ أَوْ اشْتَبَهَتْ مَيْتَةٌ بِمُذَكَّاةٍ فَإِنَّ الْجَمِيعَ مُحَرَّمٌ انْتَهَى. وَلَيْسَ هَذَا مُطَابِقًا لِمَسْأَلَتِنَا فَإِنَّ ابْتِدَاءَ الْوَطْءِ هُنَا مُنْفَرِدٌ عَنْ الْحَرَامِ مُتَمَيِّزٌ عَنْهُ لَمْ يَشْتَبِهْ بِحَرَامٍ أَوْ لَمْ يَخْتَلِطْ بِهِ، فَإِذَا انْضَمَّ إلَى ذَلِكَ أَنَّ النَّزْعَ تَرْكٌ لِلْحَرَامِ لَمْ يَبْقَ هَاهُنَا حَرَامٌ، وَأَيْضًا فَإِنَّ النَّزْعَ هَاهُنَا مُقَارِنٌ الْبَيْنُونَةَ فَيُمْكِنُ النِّزَاعُ فِي تَحْرِيمِهِ كَمَا وَقَعَ النِّزَاعُ فِي تَرَتُّبِ أَحْكَامِ الزَّوْجِيَّةِ مَعَهُ وَأَمَّا الْإِيلَاجُ فَمُقَارِنٌ لِشَرْطِ الْبَيْنُونَةِ فَإِنْ قِيلَ إنَّ الْمُقَارِنَ لِلشَّرْطِ كَالْمُقَارِنِ لِلْمَشْرُوطِ عَلَى مَا سَبَقَ تَقْرِيرُهُ فِي الْقَاعِدَةِ الَّتِي قَبْلَهَا تَوَجَّهَ تَحْرِيمُهُ أَيْضًا وَإِلَّا فَلَا. وَأَيْضًا فَمَنْ يَقُولُ النَّزْعُ جُزْءٌ مِنْ الْجِمَاعِ وَإِنَّ الْجِمَاعَ عِبَارَةٌ عَنْ الْإِيلَاجِ وَالنَّزْعِ يَلْتَزِمُ أَنَّ الطَّلَاقَ وَالظِّهَارَ إنَّمَا يَقَعَانِ بَعْدَ النَّزْعِ لَا قَبْلَهُ فَلَا يَحْصُلُ فِي أَجْنَبِيَّةٍ وَلَا مُظَاهَرٍ مِنْهَا وَلَا يُقَالُ يَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَنْ لَا يُفْطِرَ الصَّائِمُ بِالْإِيلَاجِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ إذَا نَزَعَ بَعْدَهُ لِأَنَّ مُفْطِرَاتِ الصَّائِمِ لَمْ تَنْحَصِرْ فِي الْجِمَاعِ وَحْدَهُ بَلْ تَحْصُلُ بِأُمُورٍ مُتَعَدِّدَةٍ فَيَجُوزُ أَنْ يَحْصُلَ بِأَحَدِ جُزْأَيْ الْجِمَاعِ كَمَا يَحْصُلُ بِالْإِنْزَالِ بِالْمُبَاشَرَةِ وَنَحْوِهِ بِخِلَافِ الْأَحْكَامِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى مُسَمَّى الْوَطْءِ فَإِنَّهَا لَا تَثْبُتُ إلَّا بَعْدَ تَمَامِ مُسَمَّى الْوَطْءِ. النَّوْعُ الرَّابِعُ: أَنْ يَتَعَمَّدَ الشُّرُوعَ فِي فِعْلٍ مُحَرَّمٍ عَالِمًا بِتَحْرِيمِهِ ثُمَّ يُرِيدُ تَرْكَهُ وَالْخُرُوجَ مِنْهُ وَهُوَ مُتَلَبِّسٌ بِهِ فَيَشْرَعُ فِي التَّخَلُّصِ مِنْهُ بِمُبَاشَرَةٍ أَيْضًا، كَمَنْ تَوَسَّطَ دَارًا مَغْصُوبَةً ثُمَّ تَابَ وَنَدِمَ وَأَخَذَ فِي الْخُرُوجِ مِنْهَا، أَوْ طَيَّبَ الْمُحْرِمُ بَدَنَهُ عَامِدًا ثُمَّ تَابَ، وَشَرَعَ فِي غَسْلِهِ بِيَدِهِ قَصْدًا لِإِزَالَتِهِ، أَوْ غَصَبَ عَيْنًا ثُمَّ نَدِمَ وَشَرَعَ فِي حَمْلِهَا عَلَى رَأْسِهِ إلَى صَاحِبِهَا، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. وَالْكَلَامُ هَاهُنَا مَقَامَيْنِ أَحَدُهُمَا: هَلْ تَصِحُّ التَّوْبَةُ فِي هَذَا الْحَالِ وَيَزُولُ الْإِثْمُ بِمُجَرَّدِهَا، أَوْ لَا يَزُولُ حَتَّى يَنْفَصِلَ عَنْ مُلَابَسَةِ الْفِعْلِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَفِيهِ لِأَصْحَابِنَا وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَقِيلٍ أَنَّ تَوْبَتَهُ صَحِيحَةٌ وَيَزُولُ عَنْهُ الْإِثْمُ بِمُجَرَّدِهَا وَيَكُونُ تَخَلُّصُهُ مِنْ الْفِعْلِ طَاعَةً وَإِنْ كَانَ مُلَابِسًا لَهُ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ فَلَا يَكُونُ مَعْصِيَةً، وَلَا يُقَالُ مِنْ شَرْطِ التَّوْبَةِ الْإِقْلَاعُ وَلَمْ يُوجَدْ لِأَنَّ هَذَا هُوَ الْإِقْلَاعُ بِعَيْنِهِ وَأَيْضًا فَالْإِقْلَاعُ إنَّمَا يُشْتَرَطُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ دُونَ الْعَجْزِ، كَمَا لَوْ تَابَ الْغَاصِبُ وَهُوَ مَحْبُوسٌ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ أَوْ تَوَسَّطَ جَمْعًا مِنْ الْجَرْحَى الصَّحِيحُ ثُمَّ تَابَ وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ إنْ أَقَامَ قَتَلَ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ وَإِنْ انْتَقَلَ قَتَلَ غَيْرَهُ لَكِنَّ هَذَا مِنْ مَحَلِّ النِّزَاعِ أَيْضًا. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْخَطَّابِ أَنَّ حَرَكَاتِ الْغَاصِبِ وَنَحْوِهِ فِي جُرُوحِهِ لَيْسَتْ طَاعَةً وَلَا مَأْمُورًا بِهَا بَلْ هِيَ مَعْصِيَةٌ وَلَكِنَّهُ يَفْعَلُهَا لِدَفْعِ أَكْبَرِ الْمَعْصِيَتَيْنِ بِأَقَلِّهِمَا وَأَبُو الْخَطَّابِ وَإِنْ قَالَ لَيْسَتْ طَاعَةً هُوَ يَقُولُ لَا إثْمَ فِيهَا بَلْ يَقُولُ بِوُجُوبِهَا وَهُوَ مَعْنَى الطَّاعَةِ وَخَرَّجَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ الْخِلَافَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى جَوَازِ الْخِلَافِ فِي الْإِقْدَامِ عَلَى الْوَطْءِ فِي مَسَائِلِ النَّوْعِ الثَّالِثِ فَإِنْ قِيلَ بِجَوَازِهِ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ التَّرْكُ امْتِثَالًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَا يَكُونُ مَعْصِيَةً وَإِنْ قِيلَ بِتَحْرِيمِهِ لَزِمَ تَحْرِيمُ التَّرْكِ هَاهُنَا وَقَدْ يُفَرَّقُ بِالتَّحْرِيمِ ثُمَّ طَارَ وَهُنَا مُسْتَصْحَبٌ مِنْ الِابْتِدَاءِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْجَوَازِ ثُمَّ الْجَوَازُ هُنَا، وَيَلْزَمُ مِنْ التَّحْرِيمِ هُنَاكَ التَّحْرِيمُ هَاهُنَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى. وَالْمَقَامُ الثَّانِي فِي الْأَحْكَامِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ وَهِيَ كَثِيرَةٌ فَمِنْهَا غَسْلُ الطِّيبِ بِيَدِهِ لِلْمُحْرِمِ يَجُوزُ لِأَنَّ تَرْكَ الطِّيبِ لَا فِعْلَ لَهُ ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ الَّذِي أَحْرَمَ وَهُوَ مُتَضَمِّخٌ بِطِيبٍ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَغْسِلَهُ عَنْهُ، وَلَكِنَّ هَذَا كَانَ جَاهِلًا بِالْحُكْمِ فَهُوَ كَمَنْ تَطَيَّبَ بَعْدَ إحْرَامِهِ نَاسِيًا فَإِنَّهُ يَغْسِلُهُ بِغَيْرِ خِلَافٍ وَخَصَّ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ كَالْقَاضِي وَغَيْرِهِ الْحُكْمَ بِالنَّاسِي وَهُوَ مُشْعِرٌ بِأَنَّ الْعَامِدَ بِخِلَافِهِ وَهُوَ مُتَخَرَّجٌ عَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ فِي كَوْنِهِ مَعْصِيَةً، وَالصَّحِيحُ التَّعْمِيمُ لِأَنَّ مُبَاشَرَةَ الْفِعْلِ إنَّمَا جَازَتْ ضَرُورَةً لِلْخُرُوجِ مِنْهُ وَالْمُحْرِمُ لَا ضَرُورَةَ لَهُ بِالْغَسْلِ بِيَدِهِ، فَلَمَّا أَذِنَ الشَّارِعُ فِيهِ دَلَّ عَلَى أَنَّ مُبَاشَرَةَ الطِّيبِ لِقَصْدِ إزَالَتِهِ وَمُعَالَجَتِهِ غَيْرُ مَمْنُوعٍ وَمِنْهَا إذَا تَعَمَّدَ الْمَأْمُومُ سَبْقَ إمَامِهِ فِي رُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ وَقُلْنَا لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِمُجَرَّدِ تَعَمُّدِ السَّبْقِ، فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْعَوْدُ إلَى مُتَابَعَتِهِ الْإِمَامَ أَمْ لَا؟ أَطْلَقَ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ وُجُوبَ الْعَوْدِ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيقِ الْعَامِدِ وَغَيْرِهِ، كَمَا وَرَدَتْ رِوَايَاتٌ عَنْ الصَّحَابَةِ عُمَرَ وَابْنِهِ وَابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَفَرَّقَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ بَيْنَ الْعَامِدِ وَغَيْرِهِ وَقَالَ: مَتَى عَادَ الْعَامِدُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ قَدْ تَعَمَّدَ زِيَادَةَ رُكْنٍ كَامِلٍ عَمْدًا وَإِنَّمَا يَعُودُ السَّاهِي وَالْجَاهِلُ، وَقَدْ يُقَالُ إنَّ عَوْدَ الْعَامِدِ يَتَخَرَّجُ عَلَى أَنَّ الْعَوْدَ إنَّمَا هُوَ قَطْعٌ لِلْفِعْلِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ الَّذِي ارْتَكَبَهُ وَرَجَعَ عَنْهُ إلَى مُتَابَعَةِ الْإِمَامِ الْوَاجِبَةِ فَلَا يَكُونُ مَنْهِيًّا عَنْهُ بَلْ مَأْمُورٌ بِهِ كَالْخُرُوجِ مِنْ الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ وَنَحْوِهَا عَلَى مَا سَبَقَ وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ حَقِيقَةَ السُّجُودِ وَضْعُ الْأَعْضَاءِ الْمَخْصُوصَةِ عَلَى الْأَرْضِ فَإِذَا زِيدَ هَذَا الْمِقْدَارُ عَمْدًا بَطَلَتْ بِهِ الصَّلَاةُ وَأَمَّا الْهُوَى إلَيْهِ وَالرَّفْعُ مِنْهُ فَلَيْسَا مِنْ مَاهِيَّتِهِ وَإِنَّمَا هُمَا حَدَّانِ لَهُ فَلَا أَثَرَ لِنِيَّةِ قَطْعِهِمَا بِالرَّفْعِ فَإِنَّ الرَّفْعَ لَيْسَ مِنْهُ وَإِنَّمَا هُوَ غَايَةٌ لَهُ وَفَصْلٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ وَمَا مَضَى مِنْهُ وَوُجِدَ لَا يُمْكِنُ رَفْعُهُ، وَهُوَ سُجُودٌ تَامٌّ فَتَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِزِيَادَتِهِ عَمْدًا، وَهَذَا قَدْ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّ السَّبْقَ لِلرُّكْنِ عَمْدًا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَقَدْ قِيلَ إنَّهُ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ، وَعَلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ فَيُقَالُ لَمَّا لَحِقَهُ الْإِمَامُ فِي هَذَا الرُّكْنِ وَاجْتَمَعَ مَعَهُ فِيهِ اُكْتُفِيَ بِذَلِكَ فِي الْمُتَابَعَةِ.
وَقَدْ دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ الْمُصَرَّاةِ حَيْثُ أَوْجَبَ الشَّارِعُ رَدَّ صَاعِ التَّمْرِ عِوَضًا عَنْ اللَّبَنِ بَعْدَ تَلَفِهِ وَهُوَ مِمَّا وَرَدَ الْعَقْدُ عَلَيْهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ حَكَمَ بِفَسْخِ الْعَقْدِ فِيهِ وَرَدِّ عِوَضِهِ مَعَ أَصْلِهِ وَالرُّجُوعِ بِالثَّمَنِ كَامِلًا فَأَمَّا الِانْفِسَاخُ الْحُكْمِيُّ بِالتَّلَفِ فَفِي مَوَاضِعَ: مِنْهَا إذَا تَلِفَ الْمَبِيعُ الْمُبْهَمُ قَبْلَ قَبْضِهِ انْفَسَخَ الْعَقْدُ فِيهِ وَفِي عِوَضِهِ سَوَاءٌ كَانَ ثَمَنًا أَوْ مُثْمَنًا. وَمِنْهَا إذَا تَلِفَتْ الثِّمَارُ الْمُشْتَرَاةُ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ قَبْلَ جَدِّهَا بِجَائِحَةٍ فَإِنَّ الْعَقْدَ يَنْفَسِخُ فِيهَا. وَمِنْهَا إذَا تَلِفَتْ الْعَيْنُ الْمُسْتَأْجَرَةُ قَبْلَ مُضِيِّ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ انْفَسَخَ الْعَقْدُ فِيمَا بَقِيَ مِنْهَا. وَأَمَّا الْفَسْخُ الِاخْتِيَارِيُّ فَكَثِيرٌ، وَمِنْ مَسَائِلِهِ إذَا تَلِفَ الْمَبِيعُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ هَلْ يَسْقُطُ الْخِيَارُ أَمْ لَا يَسْقُطُ؟ وَلِلْبَائِعِ الْفَسْخُ فَيَرْجِعُ بِعِوَضِهِ وَيَرُدُّ الثَّمَنَ عَلَى رِوَايَتَيْنِ مَعْرُوفَتَيْنِ وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ عَنْهُ إنْ أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي أَوْ تَلِفَ عَنْهُ فَلِلْبَائِعِ الثَّمَنُ وَإِنْ بَاعَهُ وَلَمْ يُمْكِنْهُ رَدُّهُ فَلَهُ الْقِيمَةُ [فَفَرَّقَ بَيْنَ التَّلَفِ الْحِسِّيِّ وَالْحُكْمِيِّ وَبَيْنَ التَّفْوِيتِ مَعَ بَقَاءِ الْعَيْنِ فَأَجَازَ الْفَسْخَ] مَعَ بَقَائِهَا لِإِمْكَانِ الرُّجُوعِ بِخِلَافِ التَّلَفِ وَأَيْضًا فَتَصَرُّفُهُ فِي الْمَبِيعِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ جِنَايَةٌ حَالَ بِهَا بَيْنَ الْبَائِعِ وَالرُّجُوعِ فِي مَالِهِ فَيَمْلِكُ أَنْ يَفْسَخَ وَيُضَمِّنَهُ الْقِيمَةَ لِلْحَيْلُولَةِ وَإِلَى هَذَا الْمَأْخَذِ أَشَارَ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ. وَمِنْهَا إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فِي الثَّمَنِ بَعْدَ تَلَفِ الْمَبِيعِ وَفِيهِ رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا يَتَخَالَفَانِ وَيُفْسَخُ الْبَيْعُ وَيَغْرَمُ الْمُشْتَرِي الْقِيمَةَ. وَالثَّانِيَةُ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ وَلَا فَسْخَ اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ وَمِنْهَا إذَا تَبَايَعَا جَارِيَةً بِعَبْدٍ أَوْ ثَوْبٍ ثُمَّ وَجَدَ أَحَدُهُمَا بِمَا قَبَضَهُ عَيْبًا وَقَدْ تَلِفَ الْآخَرُ فَإِنَّهُ يَرُدُّ مَا بِيَدِهِ وَيَفْسَخُ الْعَقْدَ وَيَرْجِعُ بِقِيمَةِ التَّالِفِ نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ وَابْنُ مَنْصُورٍ وَلَمْ يَذْكُرْ الْأَصْحَابُ فِيهِ خِلَافًا لِأَنَّ هُنَا عَيْنًا بَاقِيَةً يُمْكِنُ الْفَسْخُ فِيهَا فَيَقَعُ الْفَسْخُ فِي التَّالِفِ تَبَعًا كَمَا لَوْ كَانَ الثَّمَنُ نَقْدًا مُعَيَّنًا وَقَدْ تَلِفَ فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّهُ يَرُدُّ السِّلْعَةَ بِالْعَيْبِ وَيَأْخُذُ بَدَلَ الثَّمَنِ وَمِنْهَا إذَا تَلِفَ بَعْضُ الْمَبِيعِ الْمَعِيبِ وَأَرَادَ رَدَّهُ فَهَلْ يَجُوزُ رَدُّ الْمَوْجُودِ مَعَ قِيمَةِ الْمَفْقُودِ وَيَأْخُذُ الثَّمَنَ. ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا جَوَازُهُ لِأَنَّ الْفَسْخَ فِي الْمَفْقُودِ هُنَا تَابِعٌ لِلْفَسْخِ فِي الْمَوْجُودِ، وَخَرَّجَهُ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ عَلَى رِوَايَتَيْنِ فِيمَا إذَا اشْتَرَى شَيْئًا فَبَانَ مَعِيبًا وَقَدْ تَعَيَّبَ عِنْدَهُ فَإِنَّهُ يَرُدُّهُ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَيَرُدُّ مَعَهَا أَرْشَ الْعَيْبِ الْحَادِثِ عِنْدَهُ مَنْسُوبًا مِنْ قِيمَتِهِ لَا مِنْ ثَمَنِهِ فَوَرَدَ الْفَسْخُ هُنَا عَلَى الْمَفْقُودِ تَبَعًا لِلْمَوْجُودِ وَاعْتَذَرَ ابْنُ عَقِيلٍ عَنْ ضَمَانِهِ بِالْقِيمَةِ فَإِنَّهُ لَمَّا فَسَخَ الْعَقْدَ صَارَ الْمَبِيعُ فِي يَدِهِ كَالْمَقْبُوضِ عَلَى وَجْهِ السَّوْمِ لِأَنَّهُ قَبَضَ بِحُكْمِ عَقْدٍ فَلِذَلِكَ ضَمِنَ بِالْقِيمَةِ وَهَذَا رُجُوعٌ إلَى أَنَّ الْفَسْخَ رَفْعٌ لِلْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّ الْأَصْلَ ضَمَانُهُ بِجُزْءٍ مِنْ الثَّمَنِ وَهُوَ مُقْتَضَى مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ فِي مَسَائِلِ التَّفْلِيسِ لِأَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ الْمَبِيعِ مُقَابِلٌ لِجُزْءٍ مِنْ الثَّمَنِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ رَدَّ الْمَبِيعَ كُلَّهُ رَدَّ الْمَوْجُودَ مِنْهُ بِقِسْطِهِ مِنْ الثَّمَنِ كَمَا فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَهَذَا خِلَافُ أَرْشِ الْعَيْبِ الَّذِي يَأْخُذُهُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْبَائِعِ فَإِنَّهُ يَأْخُذُهُ مَنْسُوبًا مِنْ الثَّمَنِ وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِيهِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ هُوَ فَسْخٌ لِلْعَقْدِ فِي مِقْدَارِ الْعَيْبِ وَرُجُوعٌ بِقِسْطِهِ مِنْ الثَّمَنِ، وَعَلَى هَذَا فَالْفَسْخُ وَرَدَ عَلَى مَعْدُومٍ مُسْتَحَقِّ التَّسْلِيمِ وَهَذَا فِي الْمُشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ كَالسَّلَمِ ظَاهِرًا لِأَنَّهُ كَانَ يَسْتَحِقُّهُ سَلِيمًا فَأَمَّا فِي الْمُعَيَّنِ فَلَمْ يَقَعْ الْعَقْدُ عَلَى غَيْرِ عَيْنِهِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْأَرْشُ فَسْخًا إلَّا أَنْ يَكُونَ إطْلَاقُ الْعَقْدِ عَلَى الْعَيْنِ يَقْتَضِي سَلَامَتَهَا وَكَأَنَّهَا مَوْصُوفَةٌ بِصِفَةِ السَّلَامَةِ وَقَدْ فَاتَتْ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ بَلْ هُوَ عِوَضٌ عَنْ الْجُزْءِ الْفَائِتِ. وَعَلَى هَذَا فَهَلْ هُوَ عِوَضٌ عَنْ الْجُزْءِ نَفْسِهِ أَوْ عَنْ قِيمَتِهِ؟ ذَهَبَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ إلَى أَنَّهُ عِوَضٌ عَنْ الْقِيمَةِ وَذَهَبَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي فُنُونِهِ وَابْنُ الْمُنَى إلَى أَنَّهُ عِوَضٌ عَنْ الْعَيْنِ عَنْهَا بِمَا شَاءَ. وَإِنْ قُلْنَا الْقِيمَةَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُصَالِحَ عَنْهَا بِأَكْثَرَ مِنْهَا مِنْ جِنْسِهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هُوَ إسْقَاطٌ لِجُزْءٍ مِنْ الثَّمَنِ فِي مُقَابَلَةِ الْجُزْءِ الْفَائِتِ الَّذِي تَعَذَّرَ تَسْلِيمُهُ لَا عَلَى وَجْهِ الْفَسْخِ لِأَنَّ الْفَسْخَ لَا يُقَابِلُ الْفَائِتَةَ وَيَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ جَوَازُ الْمُصَالَحَةِ عَنْهُ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ، فَإِنْ قُلْنَا الْمَضْمُونُ الْعَيْنُ فَلَهُ الْمُصَالَحَةُ الصِّحَّةُ وَالسَّلَامَةُ وَإِنَّمَا يُقَابِلُ الْأَجْزَاءَ الْمُشَاعَةَ فَإِذَا عَقَدَ عَلَى عَيْنٍ مَوْصُوفَةٍ وَفَاتَ بَعْضُ صِفَاتِهَا رَجَعَ بِمَا قَابَلَهُ مِنْ الثَّمَنِ مِنْ غَيْرِ فَسْخٍ وَكُلٌّ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ قَالَهُ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ مِنْ خِلَافِهِ وَيَنْبَنِي عَلَى الْخِلَافِ فِي أَنَّ الْأَرْشَ فَسْخٌ أَوْ إسْقَاطٌ لِجُزْءٍ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ مُعَاوَضَتِهِ أَنَّهُ إنْ كَانَ فَسْخًا أَوْ إسْقَاطًا لَمْ يَرْجِعْ إلَّا بِقَدْرِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَيَسْتَحِقُّ جُزْءًا مِنْ عَيْنِ الثَّمَنِ مَعَ بَقَائِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا قُلْنَا هُوَ مُعَاوَضَةٌ وَأَمَّا إنْ أَسْقَطَ الْمُشْتَرِي خِيَارَ الرَّدِّ بِعِوَضٍ بَذَلَهُ لَهُ الْبَائِعُ وَقَبِلَهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ عَلَى حَسَبِ مَا يَتَّفِقَانِ عَلَيْهِ وَلَيْسَ مِنْ الْأَرْشِ فِي شَيْءٍ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الشُّفْعَةِ وَنَصَّ أَحْمَدُ عَلَى مِثْلِهِ فِي النِّكَاحِ فِي خِيَارِ الْمُعْتَقَةِ تَحْتَ عَبْدٍ. وَمِنْهَا إذَا تَلِفَتْ الْعَيْنُ الْمَعِيبَةُ كُلُّهَا فَهَلْ يَمْلِكُ الْمُشْتَرِي الْفَسْخَ وَرَدِّ بَدَلِهَا أَمْ لَا؟ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ وَأَشَارَ إلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ قَالُوا: لِأَنَّ الرَّدَّ يَسْتَدْعِي مَرْدُودًا وَلَا مَرْدُودَ إلَّا مَعَ بَقَاءِ الْعَيْنِ وَظُلَامَتُهُ تُسْتَدْرَكُ بِالْأَرْشِ وَهُوَ ضَعِيفٌ لِأَنَّ الْبَدَلَ يَقُومُ مَقَامَ الْعَيْنِ وَخَرَّجَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ جَوَازَ ذَلِكَ مِنْ رَدِّ الْمُشْتَرِي أَرْشَ الْعَيْبِ الْحَادِثِ عِنْدَهُ كَمَا تَقَدَّمَ وَذَكَرَ فِي أَنَّهُ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ وَتَابَعَهُ عَلَيْهِ أَبُو الْخَطَّابِ فِي انْتِصَارِهِ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ حَكَاهُ وَمِنْهَا إذَا اشْتَرَى رِبَوِيًّا بِجِنْسِهِ فَبَانَ مَعِيبًا ثُمَّ تَلِفَ قَبْلَ رَدِّهِ فَإِنَّهُ يَمْلِكُ الْفَسْخَ وَيَرُدُّ بَدَلَهُ وَيَأْخُذُ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ الْأَرْشِ عَلَى الصَّحِيحِ بِمَحْذُورِ الرِّبَا فَتَعَيَّنَ الْفَسْخُ. وَمِنْهَا الْإِقَالَةُ هَلْ تَصِحُّ بَعْدَ تَلَفِ الْعَيْنِ؟ قَالَ الْقَاضِي مَرَّةً: لَا تَصِحُّ لِأَنَّهَا عَقْدٌ يَقِفُ عَلَى الرِّضَا مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَهِيَ كَالْبَيْعِ بِخِلَافِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ ثُمَّ قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ صِحَّتُهَا بَعْدَ التَّلَفِ إذَا قُلْنَا هِيَ فَسْخٌ وَتَابَعَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ وَابْنُ عَقِيلٍ فِي نَظَرِيَّاتِهِ وَحَكَى صَاحِبُ التَّلْخِيصِ فِيهَا وَجْهَيْنِ بِخِلَافِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَفَرَّقَ بِأَنَّ الرَّدَّ يَسْتَدْعِي مَرْدُودًا بِخِلَافِ الْفَسْخِ وَهُوَ ضَعِيفٌ فَإِنَّ الرَّدَّ فَسْخٌ أَيْضًا وَالْإِقَالَةُ تَسْتَدْعِي مُقَالًا فِيهِ وَلَكِنَّ الْبَدَلَ يَقُومُ مَقَامَ الْمُبْدَلِ هُنَا لِلضَّرُورَةِ. وَمِنْهَا الشَّرِكَةُ فِي الْبُيُوعِ وَهِيَ نَوْعٌ مِنْهَا وَحَقِيقَتُهَا أَنْ يَشْتَرِيَ رَجُلٌ شَيْئًا فَيَقُولَ لِآخَرَ أَشْرَكْتُك فِي نِصْفِهِ أَوْ جُزْءٍ مُشَاعٍ مِنْهُ فَيَقْبَلُ فَيَصِحُّ ذَلِكَ وَيَكُونُ تَمْلِيكًا مُنَجَّزًا بِعِوَضٍ فِي الذِّمَّةِ وَمَوْضُوعُ هَذَا الْعَقْدِ أَنَّهُ إنْ رَبِحَ الْمَالَ الْمُشْتَرَكَ فِيهِ فَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا النَّاطِفِيَّةِ بِالثَّمَنِ وَيَصِيرُ الْمُشْتَرِي شَرِيكًا فِي الرِّبْحِ فَيَأْخُذُ حِصَّتَهُ مِنْهُ وَإِنْ تَلِفَ الْمَالُ أَوْ خَسِرَ انْفَسَخَتْ الشَّرِكَةُ فَيَكُونُ الْخُسْرَانُ أَوْ التَّلَفُ عَلَى الْمُشْتَرِي فَيُقَدِّرُ انْفِسَاخَ الشَّرِكَةِ حُكْمًا فِي آخِرِ زَمَنِ الْمِلْكِ قَبْلَ بَيْعِهِ بِخَسَارَةٍ أَوْ تَلَفِهِ وَإِنَّمَا يُحْكَمُ بِالِانْفِسَاخِ بَعْدَ التَّلَفِ وَالْخُسْرَانِ فَيَكُونُ هَذَا الْعَقْدُ مُفِيدًا لِلشَّرِكَةِ فِي الرِّبْحِ خَاصَّةً وَيَكُونُ فَسْخُهُ مُعَلَّقًا عَلَى شَرْطٍ وَيُكْتَفَى بِذَلِكَ بِمُسَمَّى الشَّرِكَةِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى شَرْطٍ لَفْظِيٍّ وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى جَوَازِ هَذَا فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ الْأَثْرَمُ وَمُهَنَّا وَأَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ وَسِنْدِيٌّ وَأَبُو طَالِبٍ وَأَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ وَابْنُ مَنْصُورٍ وَغَيْرُهُمْ وَنُقِلَ مِثْلُ ذَلِكَ عَنْ شُرَيْحٍ وَالشَّعْبِيِّ صَرِيحًا وَسُئِلَ أَحْمَدُ هَلْ يَدْخُلُ هَذَا فِي رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ؟ فَقَالَ: هُوَ مِثْلُ الْمُضَارِبِ يَأْخُذُ الرِّبْحَ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. وَقَدْ أَشْكَلَ تَوْجِيهُ كَلَامِ أَحْمَدَ عَلَى الْقَاضِي فَحَمَلَهُ عَلَى مَحَامِلَ بَعِيدَةٍ جِدًّا وَحَمَلَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى عَلَى ظَاهِرِهِ وَتَبِعَهُ الشِّيرَازِيُّ إلَّا أَنَّهُ خَرَّجَ وَجْهًا آخَرَ أَنَّ الْوَضِيعَةَ عَلَيْهِمَا كَالرِّبْحِ.
فَمِنْ ذَلِكَ الْمُوصَى إلَيْهِ أَطْلَقَ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ أَنَّ لَهُ الرَّدَّ بَعْدَ الْقَبُولِ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي وَبَعْدَهُ وَقَيَّدَ ذَلِكَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ بِمَا إذَا وَجَدَ حَاكِمًا لِئَلَّا يَضِيعَ إسْنَادُهَا فَيَقَعُ الضَّرَرُ وَأَخَذَهَا مِنْ رِوَايَةِ حَنْبَلٍ عَنْ أَحْمَدَ فِي الْوَصِيِّ يَدْفَعُ الْوَصِيَّةَ إلَى الْحَاكِمِ فَيَبْرَأُ مِنْهَا قَالَ إنْ كَانَ حَاكِمًا فَنَعَمْ وَحَكَى رِوَايَةً أُخْرَى أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الرَّدَّ بَعْدَ الْمَوْتِ بِحَالٍ وَلَا قَبْلَهُ إنْ لَمْ يُعْلِمْهُ بِذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّغْرِيرِ بِهِ وَحَكَى ابْنُ أَبِي مُوسَى رِوَايَةً أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الرَّدُّ بِحَالٍ إذَا قَبِلَهَا وَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ حَمَلَهَا عَلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَحَكَاهُمَا الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ صَرِيحًا فِي الْحَالَيْنِ. وَمِنْهَا الْوَكِيلُ فِي بَيْعِ الرَّهْنِ إذَا عَزَلَهُ الرَّاهِنُ يَصِحُّ عَزْلُهُ عَلَى الْمَنْصُوصُ لِأَنَّ الْحَاكِمَ يَأْمُرُهُ بِالْبَيْعِ وَيَبِيعُ عَلَيْهِ وَخَرَّجَ ابْنُ أَبِي مُوسَى وَجْهًا آخَرَ أَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ لِأَنَّ فِيهِ تَغْرِيرٌ لِلْمُرْتَهِنِ وَيَتَخَرَّجُ وَجْهٌ ثَالِثٌ بِالْفَرْقِ بَيْنَ أَنْ يُوجَدَ حَاكِمٌ يَأْمُرُ بِالْبَيْعِ أَوْ لَا مِنْ مَسْأَلَةِ الْوَصِيَّةِ. وَمِنْهَا أَنَّهُ يَجُوزُ فَسْخُ عَقْدِ الْجِعَالَةِ لَكِنْ يَسْتَحِقُّ الْعَامِلُ أُجْرَةَ الْمِثْلِ لِبُطْلَانِ الْمُسَمَّى بِالْفَسْخِ فَإِذَا عَمِلَ بِهِ أَحَدٌ مُسْتَنِدًا إلَيْهِ اسْتَحَقَّ أُجْرَةَ الْمِثْلِ كَمَا لَوْ سَمَّى لَهُ تَسْمِيَةً فَاسِدَةً وَيَتَخَرَّجُ أَنْ يَسْتَحِقَّ فِي جَعْلِ الرَّدِّ الْأَبْقَ الْمُسَمَّى بِالشُّرُوعِ لِأَنَّهُ الْمُسْتَحَقُّ بِالْإِطْلَاقِ وَقَدْ صَارَ وُجُودُ التَّسْمِيَةِ كَالْعَدَمِ. وَمِنْهَا إذَا فَسَخ الْمَالِكُ عَقْدَ الْمُسَاقَاةِ وَقُلْنَا هِيَ جَائِزَةٌ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ ظُهُورِ الثَّمَرَةِ فَنَصِيبُ الْعَامِلِ فِيهَا ثَابِتٌ لِأَنَّهُ يَمْلِكُهُ بِالظُّهُورِ رِوَايَةً وَاحِدَةً لِأَنَّ حِصَّةَ الْمُسَاقِي لَيْسَتْ وِقَايَةً لِلْمَالِ بِخِلَافِ الْمُضَارِبِ وَكَذَلِكَ لَوْ فَسَخَ الْعَامِلُ بَعْدَ الظُّهُورِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ الْفَسْخُ قَبْلَ الظُّهُورِ فَإِنْ كَانَ مِنْ الْعَامِلِ فَلَا شَيْءَ لَهُ لِإِعْرَاضِهِ وَإِنْ كَانَ مِنْ الْمَالِكِ فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِلْعَامِلِ لِأَنَّهُ مَنَعَهُ مِنْ إتْمَامِ عَقْدٍ يَقْضِي إلَى حُصُولِ الْمُسَمَّى لَهُ غَالِبًا فَلَزِمَهُ ضَمَانُهُ وَأَيْضًا فَإِنَّ ظُهُورَ الثَّمَرَةِ بَعْدَ الْفَسْخِ لِعَمَلِ الْعَامِل فِيهَا أَثَرٌ بِالْقِيَامِ عَلَيْهَا وَخِدْمَتِهَا فَلَا يَذْهَبُ عَمَلُهُ مَجَّانًا وَقَدْ أَثَّرَ فِي حُصُولِ الْمَقْصُودِ وَيَتَوَجَّهُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ عَقِيلٍ فِي الْمُضَارِبِ أَنْ يَنْفَسِخَ الْعَقْدُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَالِكِ دُونَ الْعَامِلِ فَيَسْتَحِقُّ مِنْ ثَمَرَةِ الْمُسَمَّى لَهُ. وَمِنْهَا إذَا زَارَعَ رَجُلًا عَلَى أَرْضِهِ ثُمَّ فَسَخَ الْمُزَارَعَةَ قَبْلَ ظُهُورِ الزَّرْعِ أَوْ قَبْلَ الْبَذْرِ وَبَعْدَ الْحَرْثِ قَالَ ابْنُ مَنْصُورٍ فِي مَسَائِلِهِ قُلْت لِأَحْمَدَ: الْأَكَّارُ يُرِيدُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْأَرْضِ فَيَبِيعُ الزَّرْعَ قَالَ لَا يَجُوزُ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهُ قُلْت فَيَبِيعُ عَمَلَ يَدَيْهِ وَمَا عَمِلَ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ فِيهَا زَرْعٌ قَالَ لَمْ يَجِبْ لَهُ شَيْءٌ بَعْدُ إنَّمَا يَجِبُ بَعْدَ التَّمَامِ قَالَ ابْنُ مَنْصُورٍ يَقُولُ يَجِبُ لَهُ بَعْدَ مَا يَبْلُغُ الزَّرْعُ لِمَا اُشْتُرِطَ عَلَيْهِ أَنْ يَعْمَلَ حَتَّى يَفْرُغَ فَأَمَّا أَنْ يَكُونَ يَذْهَبُ عَمَلُ يَدَيْهِ وَمَا أَنْفَقَ فِي الْأَرْضِ فَلَا وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا أَخْرَجَهُ صَاحِبُهُ أَوْ خَرَجَ بِإِذْنِهِ فَإِذَا خَرَجَ مِنْ ذَاتِ نَفْسِهِ فَلَيْسَ لَهُ شَيْءٌ انْتَهَى. فَحَمَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ قَوْلَ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ عَلَى مَا إذَا خَرَجَ بِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ مُعْرِضٌ عَمَّا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ الْأَرْضِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَخْرَجَهُ الْمَالِكُ أَوْ خَرَجَ بِإِذْنِهِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ تَجِبُ لَهُ أُجْرَةُ عَمَلِهِ بِيَدَيْهِ وَمَا أَنْفَقَ عَلَى الْأَرْضِ مِنْ مَالِهِ مِنْ أَنَّ كَلَامَ أَحْمَدَ قَدْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهُ لَا يَبِيعُ آثَارَ عَمَلِهِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ أَعْيَانًا وَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِيهَا بِالْكُلِّيَّةِ وَلِهَذَا نَقُولُ فِي آثَارِ الْغَاصِبِ إنَّهُ يَكُونُ شَرِيكًا بِهَا عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَالْمُفْلِسُ وَنَحْوُهُ لَا خِلَافَ فِيهِ مَعَ أَنَّ الْقَاضِيَ قَالَ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ جَوَازُ بَيْعِ الْعِمَارَةِ الَّتِي هِيَ الْإِثَارَةُ وَيَكُونُ شَرِيكًا فِي الْأَرْضِ بِعِمَارَتِهِ وَأَفْتَى الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِيمَنْ زَارَعَ رَجُلًا عَلَى مَزْرَعَةِ بُسْتَانِهِ ثُمَّ أَجَّرَهَا هَلْ تَبْطُلُ الْمُزَارَعَةُ أَنَّهُ إنْ زَارَعَهُ مُزَارَعَةً لَازِمَةً لَمْ تَبْطُلْ بِالْإِجَارَةِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَازِمَةً أَعْطَى الْفَلَّاحَ أُجْرَةَ عَمَلِهِ وَأَفْتَى أَيْضًا فِي رَجُلٍ زَرَعَ أَرْضًا وَكَانَتْ بَوَارًا وَحَرَثَهَا فَهَلْ لَهُ إذَا خَرَجَ مِنْهَا فَلَّاحُهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ لَهُ فِي الْأَرْضِ فِلَاحَةٌ لَمْ يَنْتَفِعْ بِهَا فَلَهُ قِيمَتُهَا عَلَى مَنْ انْتَفَعَ بِهَا فَإِنْ كَانَ الْمَالِكُ انْتَفَعَ بِهَا وَأَخَذَ عِوَضًا عَنْهَا مِنْ الْمُسْتَأْجِرَةِ فَضَمَانُهَا عَلَيْهِ وَإِنْ أَخَذَ الْأُجْرَةَ عَنْ الْأَرْضِ وَحْدَهَا فَضَمَانُ الْفِلَاحَةِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ الْمُنْتَفِعِ بِهَا وَنَصَّ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ فِيمَنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا مَعْلُومَةً وَشَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهَا مَفْلُوحَةً كَمَا أَخَذَهَا أَنَّ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَيْهِ كَمَا شَرَطَ وَيَتَخَرَّجُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْمُزَارَعَةِ. وَمِنْهَا الْمُضَارَبَةُ تَنْفَسِخُ بِفَسْخِ الْمَالِكِ لَهَا وَلَوْ كَانَ الْمَالُ عَرَضَا وَلَكِنْ لِلْمُضَارِبِ بَيْعُهُ بَعْدَ الْفَسْخِ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِرِبْحِهِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ الشَّيْخِ ابْنِ مَنْصُورٍ وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَابْنِ عَقِيلٍ فِي بَابِ الشَّرِكَةِ أَنَّ الْمُضَارِبَ لَا يَنْعَزِلُ مَا دَامَ عَرْضًا بَلْ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ حَتَّى يَنِضَّ رَأْسُ [الْمَالَ] وَلَيْسَ لِلْمَالِكِ عَزْلُهُ وَإِنَّ هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ وَذَكَرَا فِي الْمُضَارَبَةِ أَنَّهُ يَنْعَزِلُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الشِّرَاءِ دُونَ الْبَيْعِ وَحَمَلَ صَاحِبُ الْمُغْنِي مُطْلَقَ كَلَامِهِمَا فِي الشَّرِكَةِ عَلَى هَذَا التَّقْيِيدِ وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْمُضَارِبَ بَعْدَ الْفَسْخِ يَمْلِكُ تَنْضِيضٌ الْمَالِ وَلَيْسَ لِلْمَالِكِ مَنْعُهُ مِنْ ذَلِكَ إذَا كَانَ فِيهِ رِبْحٌ لَكِنَّ ابْنَ عَقِيلٍ صَرَّحَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بِأَنَّ الْعَامِلَ لَا يَمْلِكُ الْفَسْخَ حَتَّى يَنِضَّ رَأْسُ الْمَالِ مُرَاعَاةً لِحَقِّ مَالِكِهِ ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ إذَا قَصَدَ الْمَالِكُ بِعَزْلِهِ الْحِيلَةَ لِاقْتِطَاعِ الرِّبْحِ مِثْلُ أَنْ يَشْتَرِيَ مَتَاعًا يَرْجُو بِهِ الرِّبْحَ فِي مَوْسِمِ فَيَنْفَسِخُ قَبْلَهُ لِيُقَوِّمَهُ بِسِعْرِ يَوْمِهِ وَيَأْخُذُهُ لَمْ يَنْفَسِخْ فِي حَقِّ الْمُضَارِبِ فِي الرِّبْحِ وَإِذَا جَاءَ الْمَوْسِمَ أَخَذَ حِصَّتَهُ مِنْهُ فَجَعَلَ الْعَقْدَ بَاقِيًا بِالنِّسْبَةِ إلَى اسْتِحْقَاقِ نَصِيبِهِ مِنْ الرِّبْحِ الَّذِي أَرَادَ الْمَالِكُ إسْقَاطَهُ بَعْدَ انْعِقَادِ سَبَبِهِ بِعَمَلِ الْمُضَارِبِ فَهُوَ كَالْفَسْخِ بَعْدَ ظُهُورِ الرِّبْحِ وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ أَيْضًا فِي بَابِ الْجِعَالَةِ الْمُضَارَبَةُ كَالْجِعَالَةِ لَا يَمْلِكُ رَبُّ الْمَالِ فَسْخَهَا بَعْدَ تَلَبُّسِ الْعَامِلِ بِالْعَمَلِ وَأَطْلَقَ ذَلِكَ وَقَالَ فِي مُفْرَدَاتِهِ إنَّمَا يَمْلِكُ الْمُضَارِبُ الْفَسْخَ بَعْدَ أَنْ يَنِضَّ رَأْسَ الْمَالِ وَيَعْلَمَ رَبُّ الْمَالِ أَنَّهُ أَرَادَ الْفَسْخَ لِئَلَّا يَتَمَادَى بِهِ الزَّمَانُ فَيَتَعَطَّلَ عَلَيْهِ الْأَرْبَاحُ. قَالَ وَهَذَا هُوَ دَوْرَانَ بِمَذْهَبِنَا وَأَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِي الشَّرِكَةِ وَالْمُضَارَبَاتِ الْفَسْخُ مَعَ كَتْمِ شَرِيكِهِ لِأَنَّهُ ذَرِيعَةٌ إلَى غَايَةِ الْإِضْرَارِ وَهُوَ تَعْطِيلُ الْمَالِ عَنْ الْفَوَائِدِ وَالْأَرْبَاحِ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ عِنْدَنَا فَسْخَهَا وَرَأْسُ الْمَالِ قَدْ صَارَ عُرُوضًا لَكِنْ إذَا بَاعَ وَنَضَّ رَأْسَ الْمَالِ يَنْفَسِخُ انْتَهَى. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُضَارِبِ الْفَسْخُ حَتَّى يَنِضَّ رَأْسَ الْمَالِ وَيَعْلَمَ بِهِ رَبُّهُ لِئَلَّا يَتَضَرَّرَ بِتَعْطِيلِ مَالِهِ عَنْ الرِّبْحِ كَمَا ذَكَر أَنَّهُ فِي الْفُضُولِ أَنَّ الْمَالِكَ لَا يَمْلِكُ الْفَسْخَ إذَا تَوَجَّهَ الْمَالُ إلَى الرِّبْح وَلَا يَسْقُطُ بِهِ حَقُّ الْعَامِلِ وَهُوَ حَسَنٌ جَارٍ عَلَى قَوَاعِدِ الْمَذْهَبِ فِي اعْتِبَارِ الْمَقَاصِدِ وَسَدِّ الذَّرَائِعِ وَلِهَذَا قُلْنَا إنَّ الْمُضَارِبَ إذَا ضَارَبَ لِآخَرَ مِنْ غَيْرِ عِلْمِ الْأَوَّلِ وَكَانَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ رَدَّ حَقَّهُ مِنْ الرِّبْحِ فِي شَرِكَةِ الْأَوَّلِ مَعَ مُخَالَفَتِهِ لِإِطْلَاقِ الْأَكْثَرِينَ أَنَّهُ إذَا فَسَخَ قَبْلَ الظُّهُورِ فَلَا شَيْءَ لَهُ وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ فِي بَابِ الْجِعَالَةِ فَفِيهِ بُعْدٌ إلَّا أَنْ يُنَزَّلَ عَلَى مِثْلِ هَذَا الْحَالِ مَعَ أَنَّ الْقَاضِيَ ذَكَرَ مِثْلَهُ أَيْضًا فِي بَابِ الْجِعَالَةِ. وَمِنْهَا الشَّرِكَةُ إذَا فَسَخَ أَحَدُهُمَا عَقْدَهَا بِالْقَوْلِ انْفَسَخَتْ وَإِنْ قَالَ الْآخَرُ عَزَلْتُكَ انْعَزَلَ الْمَعْزُولُ وَحْدَهُ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَيَنْفَسِخُ مَعَ كَوْنِ الْمَالِ عُرُوضًا أَوْ نَاضًّا وَحَكَى صَاحِبُ التَّلْخِيصِ رِوَايَةً أُخْرَى لَا يَنْعَزِلُ حَتَّى يَنِضَّ الْمَالَ كَالْمُضَارِبِ قَالَ وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَفَرَّقَ بِأَنَّ الشَّرِيكَ وَكِيلٌ وَالرِّبْحُ يَدْخُلُ تَبَعًا بِخِلَافِ حَقِّ الْمُضَارِبِ فَإِنَّهُ أَصْلِيٌّ وَلَا يَدْخُلُ بِدُونِ الْبَيْعِ. وَمِنْهَا الْوَكِيلُ إذَا وَكَّلَهُ فِي فِعْلِ شَيْءٍ ثُمَّ عَزَلَهُ وَتَصَرَّفَ قَبْلَ الْعِلْمِ تَصَرُّفًا يُوجِبُ الضَّمَانَ فَهَلْ يَضْمَنُهُ الْمُوَكِّلُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ مَذْكُورَانِ فِيمَا إذَا وَكَّلَهُ فِي اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ ثُمَّ عَزَلَهُ فَاسْتَوْفَاهُ قَبْلَ الْعِلْمِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ لَا ضَمَانَ عَلَى الْوَكِيلِ فَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ قَالَ لِعَدَمِ تَفْرِيطِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لِأَنَّ عَفْوَ مُوَكِّلِهِ لَمْ يَصِحَّ حَيْثُ حَصَلَ عَلَى وَجْهٍ لَا يُمْكِنُ اسْتِدْرَاكُهُ فَهُوَ كَمَا لَوْ عَفَى بَعْدَ الرَّمْيِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَهَلْ يَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ الضَّمَانُ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَوُجِّهَ بِأَنَّ عَفْوَهُ لَمْ يَصِحَّ كَمَا ذَكَرْنَا وَبِأَنَّهُ مُحْسِنٌ بِالْعَفْوِ فَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ بِهِ وَالثَّانِي عَلَيْهِ الضَّمَانُ لِأَنَّهُ سَلَّطَهُ عَلَى قَتْلِ مَعْصُومٍ لَا يَعْلَمُ بِعِصْمَتِهِ فَكَانَ الضَّمَانُ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ أَمَرَ بِالْقَتْلِ مَنْ لَا يَعْلَمُ تَحْرِيمَهُ فَقَتَلَ كَانَ الضَّمَانُ عَلَى الْآمِرِ وَلِلْأَصْحَابِ طَرِيقَةٌ ثَانِيَةٌ وَهِيَ الْبِنَاءُ عَلَى انْعِزَالِ الْوَكِيلِ قَبْلَ الْعِلْمِ فَإِنْ قُلْنَا لَا يَنْعَزِلُ لَمْ يَصِحَّ الْعَفْوُ فَيَقَعُ الْقِصَاصُ مُسْتَحَقًّا لَا ضَمَانَ فِيهِ، وَإِنْ قُلْنَا يَنْعَزِلُ صَحَّ الْعَفْوُ وَضَمِنَ الْوَكِيلُ كَمَا لَوْ قَتَلَ مُرْتَدًّا وَكَانَ [قَدْ] أَسْلَمَ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ وَهَلْ يَرْجِعُ عَلَى الْمُوَكِّلِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: يَرْجِعُ لِتَغْرِيرِهِ. وَالثَّانِي: لَا لِأَنَّ الْعَفْوَ إحْسَانٌ مِنْهُ لَا يَقْتَضِي الضَّمَانَ وَعَلَى هَذَا فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْوَكِيلِ عِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ لِأَنَّهُ خَطَأٌ اسْتَنْمَتْ الْقَاضِي فِي مَالِهِ لِأَنَّهُ عَمْدٌ وَهُوَ بَعِيدٌ. وَقَدْ يُقَالُ هُوَ شِبْهُ عَمْدٍ كَذَا حَكَى صَاحِبُ الْمُغْنِي، وَلِلْأَصْحَابِ طَرِيقَةٌ ثَالِثَةٌ وَهُوَ إنْ قُلْنَا لَا يَنْعَزِلُ لَمْ يَضْمَنْ الْوَكِيلُ وَهَلْ يَضْمَنُ الْعَافِي؟ عَلَى وَجْهَيْنِ بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ عَفْوِهِ، وَتَرَدَّدَا بَيْنَ تَغْرِيرِهِ وَإِحْسَانِهِ، وَإِنْ قُلْنَا يَنْعَزِلُ لَزِمَتْهُ الدِّيَةُ. وَهَلْ يَكُونُ فِي مَالِهِ أَوْ عَلَى عَاقِلَتِهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَهَذِهِ طَرِيقَةُ أَبِي الْخَطَّابِ وَصَاحِبِ التَّرْغِيبِ وَزَادُوا إذَا قُلْنَا فِي مَالِهِ فَهَلْ يَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْمُوَكِّلِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَلَوْ وَكَّلَهُ فِي بَيْعِ شَيْءٍ أَوْ وَقْفِهِ أَوْ [فِي] عِتْقِ عَبْدِهِ ثُمَّ عَزَلَهُ ثُمَّ فَعَلَ مَا وَكَّلَهُ فِيهِ قَبْلَ الْعِلْمِ بِعَزْلِهِ فَإِنْ قِيلَ لَا يَنْعَزِلُ قَبْلَ الْعِلْمِ فَالتَّصَرُّفُ صَحِيحٌ وَلَا كَلَامَ وَإِنْ قِيلَ يَنْعَزِلُ فَالْعَقْدُ بَاطِلٌ وَكَذَلِكَ وَقْفُ الْمُشْتَرِي وَعِتْقُهُ. وَأَمَّا اسْتِقْلَالُهُ فَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ لَا يَضْمَنُهُ الْوَكِيلُ لِانْتِفَاءِ تَفْرِيطِهِ وَالْمُشْتَرِي مَغْرُورٌ وَفِي تَضْمِينِهِ خِلَافٌ فِي الْمَذْهَبِ وَإِذَا ضَمِنَ رَجَعَ عَلَى الْغَارِّ عَلَى الصَّحِيحِ وَالْغَارُّ هُنَا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا انْتَهَى. وَعَلَى الْقَوْلِ بِضَمَانِ الْوَكِيلِ فِي مَسْأَلَةِ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ مِنْ غَيْرِ رُجُوعٍ قَدْ يَتَوَجَّهُ ضَمَانُ الْوَكِيل هُنَا وَفِيهِ بُعْدٌ أَيْضًا لِأَنَّ الضَّمَانَ هُنَا لَوْ وَجَبَ لَوَجَبَ لِلْغَارِّ وَالْغَارُّ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَضْمَنَ لَا أَنْ يُضْمَنَ لَهُ. وَأَمَّا الْمُشْتَرِي فَهُوَ شَبِيهٌ بِالْمُشْتَرِي مِنْ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ إذَا لَمْ يَعْلَمَا بِالْغَصْبِ، وَالْمَعْرُوفُ فِي الْمَذْهَبِ تَضْمِينُهُ لَكِنْ لَا يُمْكِنُ الرُّجُوعُ هُنَا عَلَى الْوَكِيلِ.
|